العدد 2678
السبت 13 فبراير 2016
banner
ميثاق العمل... ميثاق الأمل د.علي الصايغ
د.علي الصايغ
السبت 13 فبراير 2016

في عام 2001، دعاني مديرنا الجديد في ذلك الوقت، وكان قد تولى منصبه منذ مدة قصيرة، ليخبرني باختيارهم لي لأكون ضمن اللجنة التنظيمية للاستفتاء على ميثاق العمل الوطني، وحينها لم أكن أعي تماماً، ما هو الميثاق وما جدواه؟ ولم أدرك أيضاً بأن هذا الاختيار سيكون أحد الأسباب الرئيسة لمنعطفات مهمة مرتبطة بحياتي العملية.
حاولت الحصول على بنود الميثاق وقرأتها فأعجبتني، وعندما بدأنا في مباشرة العمل، كانت تصل إلى مسمعي آراء متباينة حول الميثاق وفحواه. إحداهنَّ قالت لي في يوم التصويت إن الميثاق شيء مبهم، ورغم وضوح عباراته، لكننا نجهل تفصيلاته. آخر، استنكر أن يقول أياً كان “لا” للميثاق، كما لم يكن يقبل بذلك كثيرون، في حين أن الحرية كانت مكفولة لقول (نعم أو لا)، ولم يكن يحق لأي كان إجبار أحد على التصويت بما يهوى دون دراية أو قناعة.
أما بالنسبة لي، فقد رأيت في الميثاق بارقة أمل، تفتح مجالات الحرية والانفتاح والعمل الوطني على مصراعيها في البحرين. فقد تفاءلت خيراً، وكنت أفرح فرحاً شديداً عند رؤية الحفاوة الكبيرة والاستقبال المهيب لجلالة الملك في زياراته التاريخية لمناطق البحرين المختلفة. وكنت أسعد بإعادة تلك المقاطع التصويرية، وأستمتع برؤية ذلك المنظر الرائع الذي يحُفُّ به المواطنون  قائدهم.
عملنا جميعاً على الاستفتاء كمواطنين، ونجح بنسبته الشهيرة (98.4 %). كانت حرية التصويت واضحة وجلية للعيان. كان الجميع حراً في إبداء رأيه والإدلاء بصوته، وكانت النتيجة مفرحة لنا جميعاً.
منذ ذلك الحين، والميثاق فتح لنا آفاقاً جديدة وأطراً غير مسبوقة. هيأ أرضية خصبة لممارسة الحريات والتأسيس لعمل وطني يُكرم عيش البحرينيين ويجعلهم أحراراً في اختيار مستقبلهم والنهوض به.
أما عني شخصياً، وتحديداً في إطار العمل، فقد شاركت ضمن لجنة أخرى في التصويت على برلمان 2002. كنت على موعد لمعرفة أُولى بنظارة التجربة البرلمانية في البحرين، وحلاوة تفاصيل الانتخابات بما تحويها من منافسة واستعراض للقوى وتجليات المعاني والطموحات.
لا أخفي أنني كنت أرى البحرينيين في ذلك العام وكأنهم متمرسون في العمل الانتخابي والحملات الانتخابية، ولم يرق لي وصف التجربة البرلمانية في البحرين آنذاك بالتجربة الجديدة. كنت أرى البحرينيين كناخبين ومترشحين على درجة عالية من الوعي، على الرغم من بعض الممارسات التي قد تنم عن عدم خبرة بالعملية الانتخابية ومفاهيمها ومعاييرها الخاصة.
في انتخابات العام 2006 بدأت عملي كصحافي بنظام جزئي في صحيفة يومية سابقة. وشرعت في المشاركة هذه المرة من زاوية مُغايرة تماماً عما سبق، وبصفة جديدة، متابعاً للحملات الانتخابية، وراصداً للأخبار والآراء، وجامعاً للمعلومات، كالمحقق، كما كان يحلو لأحد المسؤولين بالصحيفة تسميت الصحافي بذلك. وما أذكره هذا في بضع سطوري، من انتخابات وعمل برلماني ونشاط اجتماعي وسياسي وثقافي، لا ينفك عن كونه ثماراً من ثمار ميثاق العمل الوطني.
كنا (أيام العمل الصحافي الميداني)، نعمل كصحافيين حقيقيين، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد فتح الميثاق منذ بدئه الأبواب مشرعة للحريات الصحافية حتى تكتب وتنتقد ما تشاء مع الحفاظ على أخلاقيات العمل الصحافي بالطبع. وحسب رأيي، كانت تلك الفترة هي فترة العصر الذهبي للصحافة البحرينية؛ حيث المنافسة على أشدها، ونشاط العمل الصحافي بلغ حينها ذروته. وليس من منكر بأن ذلك من انعكاسات ميثاق العمل الوطني الإيجابية، الذي يحتل مكاناً خاصاً في قلبي؛ كونه بادرة طيبة لبحرين غدت مختلفة، تنعم بالهدوء والاستقرار والحرية والرخاء.
أما في العام 2010 فقد شاركت بدور جديد في العملية الديمقراطية، إذ توليت المسؤولية الإعلامية لعدد من الحملات الانتخابية، نتج عن معظمها فوز مرشحيها. واليوم، شاءت الصدف أو أكثر من ذلك، أن أعمل في صرح الميثاق الوطني، الصرح الذي يُخلد ذكرى الميثاق، ميثاق العمل، ميثاق الأمل.
حقيقة، مازلت أعتقد بأننا لم نستثمر الميثاق حتى الآن أمثل استثمار. ورغم بعض الجدليات، إلا أنني أجزم وأؤكد ــ برأيي المتواضع ــ أن الميثاق هو أهم مرحلة في تاريخ البحرين المعاصر، وأشدها تألقاً وقوة، وأكثرها تأثيراً وجدوى. وأن عامه، شكل نقطة تحول فارقة في حياة البحرين والبحرينيين، ولم يكن مجرد عبارات كتبت بين دفتي كتاب، بل أفعالا توجت فخرنا واعتزازناً بوطننا بناءً على مبادئ الميثاق الراسخة في وجداننا كبحرينيين.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية