العدد 2672
الأحد 07 فبراير 2016
banner
وداعاً.. عبدٌ إلى الله د.علي الصايغ
د.علي الصايغ
الأحد 07 فبراير 2016



لعلي لم أره منذ مدة ليست وجيزة، لكن آخر كلمات قالها لي في مكالمة هاتفية استلها من يدي والدتي (خالته): “حبيبي أخوي”.
أذكر أننا كنا ننتظر موعد ولادته أنا وأختي فاطمة، في بيت جدي عبدالعزيز (رحمه الله). كنا نناظر الهاتف القديم ذا الأسلاك، متمنياً ولداً باعتبار أنني وحيد العائلة وبكرها، ومتمنية بنتاً، باعتبارها وحيدة هي الأخرى إلى حدٍ ما! أما اليوم فتعج العائلة كرماً من الله وفضلاً بالبنين والبنات، ولم يعد لتلك الوحدة أي محل.
كانت معاملتي لــ (عبدالله)، وأنا أحمله بين يدي كالأخ، معتنياً به، إلى جوار خالتي التي كان أبناؤها – لاحقاً - يغارون من حبها المفرط لي، إلى درجة أنها كانت تجهر أمامهم بأنني أعز أولادها (روحياً)، وإلى جانب الخادمة “سكيلا” التي وهبتُ اسمها لإحدى الشخصيات الآسيوية في أحد مسلسلاتي؛ لأنها عاصرت طفولتي وأثرت. كانت “سكيلا” تبعثني خلسة إلى محل الفيديو الذي تحول إلى (برادة) حالياً، لأحضر فيلماً هندياً، على ذوقي الخاص، فأراه أنا لوحدي – غالبا ً- دون أن تراه؛ لكثرة مشاغلها في الشقة القديمة، التي مازالت ملامحها باقية في ذاكرتي.
حملت عبدالله على كتفي صغيراً، وعندما كبر الصغير، أصبحت أتدخل أحياناً (بطلب من خالتي) لفض النزاع بينه وبين أسرته الصغيرة. كان متمرداً على محيطه، مدققاً في التفاصيل، يُحدق النظر فيما يراه، يسأل، وينبهر عندما يكتشف بأنني لست بحاجة إلى رؤية كتابه حتى أعطيه دروساً في النحو والصرف، استعداداً لاختباراته في اللغة العربية.
هذا ما أتذكره أيضاً، كان مولعاً بالحياة، محباً لها، ودوداً، شديد الترحيب بي.
كبر الصغير، وأصبح قادراً على الجدال، فتشاجرنا مرة، وعندما شعر بالندم، أتاني متحيناً الفرصة عند الباب الرئيسي لبيت جدنا - في أحد أعياد عيد الفطر - ليقول والعبرة تخنقه: “أنا آسف علي، أنا أحبك، والله مادري ليش قلت لك جذي”.
وعلى الرغم من حاجتي إلى عتابه، قَبِلْتُ اعتذاره في لحظة؛ لرؤيتي دموعه وصدق مشاعره.
أنا لك أعتذر هذه المرة “أخي”، فلم يعد بوسعي أن أحملك إلا إلى قبرك، أو أن أتقبل لك عذرا آخر، أو حتى أن التقط لك الصور في بيت جدنا، ولا أن أنظر إليك نظرتنا الأخيرة؛ فالموت اللعين حال دوننا. فوداعاً أخي، وداعاً صغيرنا المتمرد، وداعاً عبدٌ إلى الله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .