العدد 2517
السبت 05 سبتمبر 2015
banner
نحتاج إلى التظاهر “بالصمم” أحياناً! د.علي الصايغ
د.علي الصايغ
السبت 05 سبتمبر 2015

يقول رالف إمرسون وهو أحد الأدباء والفلاسفة الأميركيين في القرن التاسع عشر “مهما كان الطريق الذي تختاره فسوف تجد من يقول لك إنه خاطئ، وفي ذلك الطريق ستجد صعوبات تحاول إقناعك بصحة قول من انتقدك، لكن متابعة الطريق حتى النهاية تحتاج الشجاعة”.
أميل لما ذهب إليه إمرسون غير أنني أود لو أنه استعاض عن كلمة “الشجاعة” في نهاية مقولته بكلمة “الصمم” أو “فقدان السمع” أي “لكن متابعة الطريق حتى النهاية تحتاج الصمم”، وذلك ضد أية مساعٍ في محاولة تخطئتنا أو توهين عزيمتنا.
في الواقع، أن تنتقد شخصاً بإيجابية هو أن تقدم له خدمة تصحح مساره وتجعله أفضل، وهو الانتقاد الذي نتطلع إليه في محيطنا ونبحث عنه ولربما أحياناً نتمناه، لكن أن تنتقد شخصا بسلبية فهو أن تبعث إلى نفسه شحنات بغيضة تستهدف عزيمته وثقته. وأعتقد أن المتمرسين في الانتقاد الثاني (الأكثر شيوعاً)، العاكفين على ممارسته من مواقع مختلفة في حياتهم ومحيطهم، يسلكون مساراً سهلاً جداً، اختاروه لأنهم تأكدوا من عدم مقدرتهم على سلك مسارات أخرى صعبة، وهي المسارات المؤدية إلى النجاح والتميز، والتي تتطلب الكثير من الصبر والإرادة والعزم والذكاء وصفات أخرى افتقر إليها ممتهنو الانتقاد الثاني.
أكاد أجزم بأن القارئ تتمايل أمام عينيه الآن بعض النماذج الفقيرة التي أعنيها، المتشابهة في الوصف، المعتكفة في التودد إلى أمراضها السيكولوجية. إنهم أناس ممن امتهنوا أسهل المهن وأفقرها حرفية، إنهم ممن يدعون ببجاحة أن غيرهم أو بالأحرى منافسيهم قابعون في الدرك الأسفل بيد أنهم يوقنون أنهم يتربعون على عرش النجاح.
من السهل أن ينتقد هؤلاء، وأن يتفننوا في الانتقاد، وتفصيل السلبيات التي يكيلونها إلى الطرف الآخر دون قيود، من السهل أن يستصغروا ضوء القمر لأنه لا يُشع من ذاته، ومن اليسير عليهم أن يتهموا الغيوم السوداء المليئة بالأمطار بأنها تُعكر صفو السماء الحلوة الزرقاء.
ومما يتصفون به أنهم يعكفون على بث الروح السلبية في المكان الذي يعتادون التواجد فيه، ويوقنون أنهم بعيدون كل البعد عن الموضوعية، ولا يمتلكون قدراً كافياً من الوعي ليتناولوا ما ينتقدونه بإيجابية. انتقادهم دائماً سطحي؛ لأنهم يعجزون عن مناقشة المضمون لفقر إدراكهم به.
وجدت هذه المسوخ لأنها لم تلق طريقاً للنجاح، لأنها أيقنت ضعفها، وبالتالي يستوجب منا ـ لئلا نتأثر بهم ونحقق نجاحاتنا ـ أن نؤمن ونتذكر دائماً وأبداً بأن الشمس ستشرق في كل صباح مهما ادعوا من ادعاءات، وأن الرحيق سيبقى حلو المذاق مهما واجه من انتقادات من شدة حلاوته، وأن السماء ستدوم لتظلل أيامنا بجمالها مهما تبدلت ألوانها، وأن نور التفاؤل سيظل في نفوسنا مُشعاً وهاجاً مهما وجهوا إلينا من انتقادات واهية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية