العدد 2601
السبت 28 نوفمبر 2015
banner
من أشكال الإرهاب (2) د. طارق آل شيخان الشمري
د. طارق آل شيخان الشمري
ما وراء الحقيقة
السبت 28 نوفمبر 2015

كما أن هناك إرهابا إيرانيا يستهدف البلاد العربية، فإن هناك أيضا إرهابا يقوم به سفهاء وعملاء استخبارات لا علاقة لهم بالدين والإسلام. وبداية وقبل كل شيء نستنكر، كمنظمات مجلس العلاقات الخليجية الدولية (كوغر)، الحادث الإرهابي بباريس الذي قام تنظيم داعش الإرهابي بالادعاء بأنه من قام به. ولا شك أن هذا الحادث الارهابي بعيد كل البعد عن القيم الإنسانية التي ترفض القتل والإرهاب، والذي تدينه وتستنكره كل الاديان والقوانين الدولية. واستنكر الجميع ومن كل الأديان والمجتمعات هذا الحادث الارهابي وما يستحقه من تعاطف وشجب. ولكن مع الاسف هناك من بالغ بالتعبير عن تعاطفه واستنكاره وبشكل آذى وأهان آلاف الضحايا الابرياء الذين سقطوا ويسقطون بالعالم العربي، من غير ان يقدم لهم واحدا بالمئة من التعاطف والاستنكار الذي حصل عليه ضحايا تفجير باريس.
 ومن خلال هذا الكم الرهيب من التعاطف والدعم والاستنكار لهؤلاء الضحايا، مقارنة بما يتعرض له العرب والمسلمون من قتل وتنكيل وإبادة انسانية على مرأى ومسمع الدول الكبرى الغربية، لاحظنا ان جمعيات ومراكز ومنظمات عربية اعلامية ودينية وسياسية وفكرية شنت حملة رهيبة من التعاطف والبكاء ولطم الخدود وشق الجيوب تجاه هذا الحادث الإجرامي، وبشكل لم يقدموه من قبل تجاه الآلاف من الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ العرب الذين يسقطون ظلما وغدرا وعدوانا في كل من العراق وسوريا واليمن وبقية العالم الإسلامي، وسط سكوت مخز من قبل المجتمع الغربي والدول الغربية تجاه هذه الجرائم. ورأينا في هذه الحملة التي قام بها هؤلاء مختلف عبارات ومشاعر التعاطف المبالغ فيه بشكل يمكن وصفه بأنه مشاعر العبد الذليل تجاه صاحبه السيد. وتجرأوا على الجهر بلعن وشتم وتكفير كل ما يمت للعرب والإسلام بصلة. بل وصل الأمر مثلا بإحدى القنوات إلى محاولة تقديم العرب والمسلمين قربانا وفداء لضحايا تفجير باريس. فقد تركت هذه القناة ما يتعرض له الابرياء من قتل من قبل الميليشيات الطائفية العراقية ضد سنة وشيعة العراق الوطنيين، وتركت ما يقوم به بشار والحرس الثوري وحزب الله والطائرات الروسية ضد الإنسان والشيخ والطفل والمرأة السورية، وركزت على ضحايا باريس. فلم تترك مطربا غربيا قدم اغنية لضحايا باريس الا وسلطت الضوء عليه في شاشتها، ولم تترك ساقطة عربية أو غربية الا وفردت لها مساحة للبكاء على ضحايا باريس. ولم تترك مقابلة يبكي فيها اقارب الضحايا الى وقدمتها لنا على شاشتها، وكأننا نحن العرب والمسلمون من قام بتلك التفجيرات، ومطلوب منا تقديم الاعتذار للشعب الفرنسي الصديق على ما بدر من تنظيم داعش الإرهابي. هذا في الوقت الذي حتى هذه اللحظة يسقط يوميا أضعاف ما سقط بتفجير باريس الإرهابي، ولم تقدم لهم هذه القناة وهذه الجمعيات والمراكز ولو جزءا بسيطا مما قدمته لضحايا باريس.
إن على الإعلام والصحافة والمجتمع الخليجي عدم التقليد والانبهار والافتتان بما قام به هؤلاء العرب وهذه القناة، من عبدة الغرب ومؤلهي الحضارة الغربية والقيم الاوروبية والاميركية ومبجلي ومعظمي الانسان الغربي. فالاستنكار والتعاطف مطلوب منا كخليجيين، ولكن بشكل يليق ولا يؤذي الضحايا الابرياء، ولا يجعلنا عند تقديمنا التعاطف والاستنكار، نشعر بأننا مذنبون وعبيد وسخرة، مطلوب منا إظهار كل ما لدينا من مشاعر للإنسان الغربي بدرجة اقل مما يتعرض له الانسان العربي، فالقتل واحد والضحايا متساوون جميعا بالكرامة الإنسانية.   

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية