العدد 2672
الأحد 07 فبراير 2016
banner
الإنفاق بين الترشيد وتحفيز النمو الاقتصادي د. حسن العالي
د. حسن العالي
الأحد 07 فبراير 2016

دعا صندوق النقد الدولي دول الخليج العربية إلى التخطيط؛ لخفض نمو الإنفاق الحكومي لدعم استقرار ميزانياتها في الفترة المقبلة، موضحا أن الفائض المحقق يمكن أن يتحول لعجز بحلول العام 2020.
لقد ساهمت السياسات المالية التوسعية الخليجية منذ نشوب الأزمة العالمية العام 2008 في وقاية الاقتصادات الخليجية من الركود الاقتصادي، وقد ساعد على ذلك أن أسعار النفط سرعان ما تعافت، بل وبلغت مستويات قياسية، قبل أن تتردى ومنذ منتصف عام 2014 إلى مستوياتها الراهنة.
وتشير التوقعات كافة اليوم بأن المستويات الراهنة لأسعار النفط، حتى وإن عاودت التحسن نسبيا خلال العام 2016 وما بعده، فإنها لن تعود لمستوياتها القياسية السابقة، أي ما فوق الـ 100 دولار أميركي في المدى المنظور. لذلك، وفي ظل هذه التوقعات، فإن زيادة الإنفاق سوف يؤدي على المدى البعيد إلى مواصلة رفع أسعار النفط اللازمة لمعادلة الميزانيات إلى مستويات قياسية، ما يجعل تلك البلدان أكثر تعرضاً لمخاطر التباطؤ، حيث تشكل إيرادات الخام أكثر من 80 % من الإيرادات الحكومية.
لقد أبرزت الأزمة المالية العالمية قضية استمرارية الموارد العامة في المدى البعيد بالنسبة للدول النفطية، خاصة وقوعها تحت سطوة الإنفاق العام، وخاصة الإنفاق الاجتماعي بحكم ارتباطه الوثيق بتركيبة وطبيعة المجتمعات الخليجية، ولكون السنوات السابقة أظهرت عدم قدرة الدول الخليجية على تكييفه وفقا لمستويات الدخل النفطي.
إن مقدار الإنفاق الحكومي يعكس في الأساس تفضيلات كل بلد لحجم حكومته المرغوب وحجم الخدمات التي يريد أن تقدمها، ولكن نسبة الإنفاق الحكومي من الناتج الاقتصادي الكلي تسير في اتجاه صعودي واضح منذ سنوات عدة في جميع الدول الخليجية. وقد يكون جانب من هذا الارتفاع بسبب عوامل اقتصادية أساسية، لكن لها انعكاسات سلبية على المدى البعيد.
وخرج الاقتصادي الألماني أدولف فاغنر في القرن التاسع عشر بنظرية مفادها أن الطلب على السلع والخدمات العامة يزداد مع زيادة ثراء البلدان (“قانون فاغنر”). وقدم ويليام بومول تفسيراً آخر، وهو أن تكلفة تقديم السلع والخدمات العامة تغلب عليها الزيادة بسرعة أكبر من الإنتاجية. وتعني هذه الاستنتاجات، في غياب التدابير المخفِّفة، أن الضغط على الحكومات لمواصلة الإنفاق سوف يستمر، وإن تباطأت وتيرته مع ثبات نمو الدخل والإنتاجية. والواقع أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن عدم إجراء إصلاحات في هذا الخصوص يمكن أن يرفع الإنفاق الحكومي في اقتصادات الأسواق الصاعدة بمقدار يتراوح بين 3 و6 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي حتى نهاية عام 2050.
ولاشك أن ظروف البلدان وتفضيلاتها تشكل عاملاً مهماً، والشيطان يكمن – دائماً – في التفاصيل، لكن بعض العوامل المشتركة تتضح من تجارب البلدان مع إصلاح النفقات.
لذلك، وفي الحالة الخليجية، فإن توجيه الموارد العامة إلى مسار قابل للاستمرار على المدى البعيد سوف يتطلب احتواء الإنفاق الاجتماعي وفاتورة الأجور العامة، وهي تشكل مجتمعةً أغلبية الإنفاق الحكومي. ويقتضي ذلك معالجة نظم معاشات التقاعد العامة وشبكة الرعاية الاجتماعية. وفي حالة إصلاح معاشات التقاعد، يبدو أن الخيار الأكثر جذباً هو رفع سن التقاعد تدريجياً، مع حماية الفئات المعرضة للتأثر وتوسيع نطاق الحصول على المزايا عند الحاجة. وفي كل الأحوال، يمكن لتحسين توجيه منافع الرعاية الاجتماعية أن يؤدي إلى توليد وفورات في المالية العامة دون التأثير على مقتضيات العدالة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية