العدد 2674
الثلاثاء 09 فبراير 2016
banner
إيــران... الخــلاف فــي الــرأي يفســد للــود قضيــة عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الثلاثاء 09 فبراير 2016

رغم أن القاعدة هي أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، إلا أن الواضح أن الاستثناءات زاد عددها وتنوعت مظاهرها لدرجة قد تجعلنا نشك كثيرا في القاعدة وسلامتها، ويكفينا في هذا الإطار نظرة عامة على نتيجة اي خلاف في الرأي بيننا نحن العرب، حيث تعج قنواتنا الفضائية بمختلف أنواع “الردح” الإعلامي بين كبار المثقفين والفنانين “وخناقات” قد تنتهي في ساحات المحاكم وداخل أروقة القضاء، كما تمتلئ ساحاتنا السياسية بصراعات “وهمية” بين هذه “النخب” التي يفترض أنها تقود الرأي العام وتمثل قطاعات عريضة من الجمهور لكننا نتفاجأ بمستوى هزيل من الثقافة وتشنج هائل دون مبرر وعدم تقبل ملحوظ للرأي الآخر والاستعداد التام والسريع لتحويل أي نقاش وحوار إلى مصارعة حرة أو مبارزة تستخدم فيها كل الأسلحة التي تضمن الإجهاز على الخصم أو المنافس.
وإذا وسعنا الرؤية والدائرة، فقد تتباين وجهات النظر والمواقف بين الدول تجاه قضية معينة لكن رغم ذلك يحدث التعايش والتعاون بينها دون مشاكل إن كان لديها حد أدنى من الإيمان بأن الخلاف في الرأي تجاه أية قضية أمر طبيعي ولابد أن يقع طالما هناك تفاعل في أمور وقضايا كثيرة.
لكن هناك من القضايا والأمور التي يجب أن تكون محسومة ولا يسمح حتى بوجود خلاف حولها أو تضييع وقت كبير للجدل والتحليل، خصوصا إذا كانت جميع المؤشرات والدلائل تصب في اتجاه معين دون غيره، فهنا يكون النقاش والخلاف في وجهات النظر مضيعة للوقت والجهد.
ومن بين هذه القضايا في مجال السياسة والعلاقات الدولية طبيعة الدولة الإيرانية وما إذا كانت دولة مسالمة وساعية لتطوير العلاقات مع محيطها الخارجي ومن ثم يجب دعمها ومساعدتها أم أنها دولة عدوانية تنتهج سياسات غير إيجابية ومن ثم يجب مواجهتها والتصدي لها.
الحالة هنا واضحة وضوح الشمس سواء من حيث أن طهران دولة لا تراعي مبادئ حسن الجوار ولا تلتزم بالقوانين الدولية، أو من خطورة ذلك على جيرانها وعلى أمن المنطقة، ومن ثم، فإن الخلاف حول هذه القضية غير مقبول وقد يفسد الود بالفعل وهذا ما لا ينتبه له الرئيس الأميركي باراك أوباما أو أنه يعلم ذلك لكنه لا يكترث بالعواقب أو أنه يقصد الوصول لها بالفعل.
فقد احتفل أوباما بتنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية الكبرى زاعمًا أنه يمثل فرصة لأمن واستقرار المنطقة والعالم، رغم ما يشبه الإجماع على مخاطر هذا الاتفاق والتوقعات التي تجزم بأنه سيزيد من غطرسة إيران واستعلائها على جيرانها.
موقف أوباما “الغريب” من قضية محسومة أثارت سيلا من الانتقادات من قبل محللين وخبراء وأكاديميين أميركيين وغير أميركيين، بل وذهب الكثيرون إلى توجيه اللوم لأوباما “الضعيف” وتحميله مسؤولية ما اقدمت عليه طهران في الفترة الأخيرة من ممارسات تعكس غطرستها وتؤكد معاداتها أميركا، ومنها احتجاز القاربين التابعين للبحرية الأميركية وبحارتهما وإذلالهم بإجبارهم على الركوع ووضع أيديهم خلف رؤوسهم ومن ثم تصويرهم وتوزيع صورهم على الملأ، وتكريم المرشد الأعلى علي خامنئي لرجال البحرية الإيرانية الذين احتجزوا الأميركيين، وإطلاق طائرة إيرانية مسيّرة فوق حاملة الطائرات الأميركية “هاري ترومان”، وإطلاق غواصة إيرانية من طراز “قادر” صاروخا لدى اقترابها من الحاملة الأميركية، واقتراب سفينة عسكرية إيرانية من هذه الحاملة نفسها لمسافة 1500 ياردة فقط أثناء مرورها بمضيق هرمز وإطلاقها عدة صواريخ باتجاه بعيد من الحاملة، بالإضافة إلى تجاربها على الصواريخ البالستية خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي.
لا يمكن ان يكون هناك خلاف أو تباين في وجهات النظر حيال هذه الممارسات الإيرانية التي تندرج حتمًا ضمن بند “الاستفزازات” وتعكس بكل تأكيد عداءً من طهران تجاه واشنطن، لذا كان يجب أن تكون دافعًا لأن يتريث أوباما قليلاً ويعيد النظر في موقفه ورؤيته للدولة الإيرانية ولدول الخليج وللدول العربية بصفة عامة وفق منظور جديد يقوم اساسًا على أن إيران دولة “خارجة” عن الأعراف والقوانين الدولية، ويجب أن تثبت أولاً أنها دولة طبيعية تستحق ما ستجنيه من أرباح ومكاسب جراء الاتفاق النووي.
وأختم بما قاله الكاتب الأميركي ليونز بصحيفة واشنطن بوست بأن إدارة أوباما كانت تأمل “بغباء” بعد إبرامها الاتفاق النووي مع طهران، أن تعدّل إيران من سلوكها الاستفزازي وتصبح عضوا يتمتع بالمسؤولية في المجتمع الدولي، لكن أوباما كان مخطئا ولم يفهم أن إيران ظلت عدوا لأميركا طوال 36 عاما، وارتكبت العديد من الحوادث “الإرهابية” التي راح ضحيتها آلاف الأميركيين العسكريين والمدنيين.
وأضاف: “إن “تذلل” أوباما ووزير خارجيته كيري للإيرانيين لإكمال الاتفاق النووي لم يكن إهانة للأميركيين جميعا فحسب، بل شجع إيران على أن تكون أكثر جرأة وتنفذ أعمالا أكثر عدوانية بتعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط. واختتم مقاله بقوله إن الهدف الأكبر لإيران هو الاستيلاء على آبار النفط في شمال شرق السعودية وعلى الحرمين الشريفين”.
فالقضية واضحة ولا تحتاج بل ولا تحتمل أي خلاف في وجهات الرأي وإذا حدث هذا الخلاف فإنه سيكون حتمًا مفسدًا لأي ود ومضيعًا لكل وقت ومشتتًا لكل جهد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .