العدد 2602
الأحد 29 نوفمبر 2015
banner
من فتاة مسلمة إلى دونالد ترامب عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الأحد 29 نوفمبر 2015

عجبت من غضبتنا الواسعة إزاء تصريحات المرشح لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب التي أطلق فيها اتهامات كثيرة للمسلمين وعبر عن تفكير متطرف واضح، حيث زعم أن العرب الأميركيين ابتهجوا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأن الآلاف من العرب الأميركيين كانوا يحتفلون في ولاية نيو جيرسي بعدما اصطدمت طائرتان ببرجي التجارة العالمي في هذا اليوم، قائلاً: “إن مثل هذه المظاهرات العامة تقول لكم شيئا عن المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة”.
وطالب ترامب أيضًا بعمل هويات خاصة للمسلمين في أميركا، وأن تكون هناك مراقبة على المساجد في الولايات المتحدة في إطار محاربة الإرهاب، وتأكيده على أنه سيقوم بإرجاع اللاجئين السوريين إلى ديارهم إذا ما انتخب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية.
أسباب العجب كثيرة لا تتعلق مطلقًا باتفاقي مع شخص ولا أفكار ترامب حيث أختلف تمامًا معها وأعتبرها كاشفة عن عنصرية غير مقبولة من شخص قد يكون متحكمًا في سياسات وقرارات دولة عظمى وهي الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن هناك أسباب أخرى أهمها تجاهلنا وصمتنا المريب عما يتعرض له الإسلام والمسلمون من أبناء جلدتهم ومن المنتسبين للإسلام، فإذا كان ترامب لا يدين بالإسلام وربما يطلق التصريحات والاتهامات التي يرى أنها جاذبة للجمهور والناخبين، فهناك من ينتمي للإسلام لكنه يسعى بكل جد للنيل منه والإساءة لقيمه ومبادئه وآدابه والتطاول على رموزه، دون أن يتحرك هذا النفر الذي اشتاط غضبًا من تصريحات ترامب التي لا تنفصل عن تصريحات كثيرة تحمل أفكاره الغريبة على وجه الإجمال سواء في السياسة أو الاقتصاد، ووصل به الأمر إلى السخرية من صحافي معاق يعمل في صحيفة نيويورك تايمز.
وأظن أن غضبتنا هذه تفتقد كثيرًا من مصداقيتها بسبب تهاوننا وصمتنا عن الألسنة والأقلام وما يسمى النخبة التي تتعرض للإسلام بالسوء، كما أن هذه الغضبة ستظل بالنهاية عديمة الجدوى في ظل عدم قدرتنا على دفع الضرر والأذى الذي يتعرض له الإسلام والمسلمون سواء على يد ترامب أو غيره.
هناك من راح يعبر عن غيظه من أفكار من قد يكون رئيسًا لأميركا ويدعو لانتخاب غيره ممن هم أكثر ميلاً للمسلمين وتعاطفًا معهم، وكأننا لا نريد أن نتخلص من عقدتنا التي تتمثل في الاعتماد على الغير لحل مشكلاتنا وتخليصنا من أزماتنا، فنحن في انتظار دائم لأيد حانية تقوم بذلك نيابة عنا.
الغريب أيضًا أننا في الوقت الذي نملاً فيه الدنيا ضجيجًا بحديثنا عن مؤامرة خارجية على دولنا العربية والإسلامية، فإننا نهفو إلى أن يهب هذا الخارج مناصرًا لنا ومدافعًا عنا.
لكنني أرى أن الأكثر جدوى من ذلك هو رد فعل الداخل الأميركي سواء من قبل المسلمين أو غير المسلمين تجاه كل من يتعرض للإسلام بسوء، ومن تلك الردود رسالة نشرتها شابة مسلمة تدعى مروة بالكر (22 عاما) عبر صفحتها على فيسبوك وحظيت بانتشار واسع على الشبكات الاجتماعية وتبادلها عشرات الآلاف حول العالم، حيث تتوجه فيها إلى المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية المقبلة دونالد ترامب، وتقول في رسالتها متوجهة إلى ترامب:
“عزيزي دونالد ترامب.. اسمي مروة وأنا مسلمة، سمعت أنك تريدنا أن نبدأ بوضع شارات تشير إلى كوننا مسلمين، حسناً؛ قررت أن أختار واحدة لنفسي. ليس سهلاً تمييزي كمسلمة من مظهري، لذا شارتي الجديدة ستمكنني من كشف مَنْ أكون بكل فخر. اخترت علامة السلام لأنها تمثل إسلامي. ذاك الدين الذي علمني أن أرفض الظلم وأن أتوق إلى الوحدة، الدين الذي علمني أن قتل حياة بريئة يعادل قتل الناس جميعاً. سمعت أيضا أنك تريد أن تتعقبنا. عظيم يمكنك أن ترافقني في المشاوير التي أقضيها للتعريف بالسرطان في مدرسة الحي، أو يمكنك أن تلاحقني إلى مكان عملي، حيث وظيفتي هي نشر السعادة بين الناس. بمقدورك أيضاً أن ترى كيف يقدّم مسجد الحيّ الساندويتش للمشردين، وكيف يقيم مآدب للناس من كل الأديان، حيث الجميع مرحّبٌ به. ربما حينها تعرف أن كوني مسلمة لا يجعلني أقل أميركيةً منك، وربما إذا تسنى لك تتبع خطواتي، أن ترى أنني لست أقل إنسانية منك. السلام عليكم”.
عندما قرأت هذه الرسالة، قلت في نفسي: “نعم لو أن كلا منا كانت لديه هذه العزة القوية والاعتزاز الكبير بالإسلام وقيمه وتمسك بآدابه وتعاليمه لما تجرأ علينا بشر مهما كانت قوته أو سطوته ولا تكالبت علينا دولة مهما عظم شأنها أو بلغ نفوذها”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية