العدد 2552
السبت 10 أكتوبر 2015
banner
ستة على ستة
السبت 10 أكتوبر 2015

ربما هي الكلمة الأكثر استخدامًا وشيوعًا في المنطقة التي اسكن بها بمدينة نيويورك حاليًا، فلا أكاد أحل في مكان أو أغادر منه إلا وتصاحبني تلك الكلمة أو الدعوة من القائمين عليه بقضاء وقت ممتع مع ابتسامة وحسن تعامل طوال فترة تواجدي، وقد تصاحبها دعوة أخرى بقضاء يوم سعيد.
في المطعم، هناك مجموعة كبيرة من الموظفين لضمان تقديم خدمات جيدة للجميع ومتابعتهم منذ أدق الأشياء إلى أن تنتهي من مهمة الطعام بكل ارتياح، لدرجة أنهم يحرصون على سؤالك كل فترة هل أنت مستمتع؟ إضافة إلى تقبلهم النقد بكل ترحاب شديد، فقد حدث لي ذات مرة أن كان هناك مسؤول كبير بنفس المطعم وكانت هناك إجراءات تفتيش على الطعام المقدم إلى هذا المسؤول وهو ما أدى بعض التأخر بالنسبة لي، فقمت بمعاتبة المسؤول بنوع من الحدة والصرامة فما وجدت منه إلا الاعتذار ومحاولة إفهامي بكل لطف سبب التأخير واستعداده إلغاء طلب الطعام رغم أنني كنت قد انتهيت من تناول بعضه.
أما في صالة الألعاب الرياضية والملحقة بالفندق، فقد كانت بالفعل متعة في حد ذاتها، فما عليك إلا أن تكون مستعدًا للرياضة فقط وستجد كل ما يعينك على ذلك من ملابس رياضية ومياه نقية وبعض المشروبات والفواكه وجميعها مقدمة من إدارة الفندق، ثم أجهزة رياضية حديثة ونظيفة وبعدها ستجد كل الأدوات اللازمة لتهيئتك حتى للانتقال لعملك مباشرة بدون اية حاجة للعودة للغرف، من معجون وفرش للأسنان وأدوات الحلاقة، وكأنك في صالون للتجميل وليس لممارسة الرياضة.
بطبيعة الحال، ليس كل ما ستجده سيعجبك خصوصا من ناحية وجود اختلاط على سبيل المثال بين الرجال والنساء دون حاجز أو مسافة أو حتى دون قيود، حيث ان الجميع يستمتع بوقته في ممارسة الرياضة بأداء الزي الرياضي المناسب، لكن الجميل هو أن لا أحد ينظر لغيره ولا يتدخل في شؤونه، فالجميع راغب في الاستمتاع فقط دون تنغيص أو تعكير على غيره.
في الشارع، الغالب يسير بانضباط وملتزم بإشارات المرور إلى حد كبير ولا يحيد عن ذلك إلا قلة وفي الغالب يكون مسرعًا لغرض ما كما يبدو من خطواته السريعة، إلا أن الجميع يسير في حركة وكأنها موجات متدفقة من البشر عند كل إشارة مرور، ورغم ذلك لا يحدث احتكاك، لأنهم يقدرون طبيعة الوضع ويتفهمون ما يحدث.
قارنت بين هذا الوضع الذي لاقيته في نيويورك وما يحدث في بلادنا من عدم احترام البعض الحرية الشخصية المنضبطة بطبيعة الحال، وبين تلك الدعوات بالاستمتاع وقضاء يوم سعيد وما يحدث بيننا من تحفز للغضب والاستثارة على بعضنا البعض على أتفه الأسباب وحتى بلا أسباب، فصاحب المحل لا يمكن أن يتسع صدره لتساؤلات “الزبون” ولا يتقبل تجاوزاته البسيطة التي قد تحدث عن جهل وسوء قصد، رغم أن ديننا الحنيف يحث على السهولة والتسامح في البيع والشراء وقضاء الحقوق لقوله صلى الله عليه وسلم “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى”. رواه البخاري.
عندنا، نادرًا ما لا نجد مشكلات بين بعضنا البعض عن اي ازدحام أو تجمع، بسبب عدم احترامنا المتبادل الحرية الشخصية، إضافة إلى حب الكثيرين التدخل في شؤون الغير دون طلب أو مبرر، حتى أنك في بعض الاحيان تجد نفسك مضطرًا للإجابة على سيل من التساؤلات وبعضها قد تكون غير راغب في التحدث فيه بسبب عدم احترامنا والتزامنا بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية