العدد 2548
الثلاثاء 06 أكتوبر 2015
banner
الهواتف الذكية والحياة الغبية عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الثلاثاء 06 أكتوبر 2015

ما من بيت أو أسرة تقريبًا تخلو من شكوى ضد الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، سواء شكوى الزوجة من زوجها وانهماكه في هذا العالم بعيدًا عنها لأوقات طويلة أو شكوى من الزوج من انشغال الزوجة عنه بتلك الهواتف الذكية والاستغراق في عالم تويتر وواتساب وانستغرام وغيرها مما يسمى برامج تواصل اجتماعي والتي تحولت سريعًا إلى مواقع فواصل اجتماعية وعائلية.
إن كانت هذه الهواتف قد أدت إلى تقريب المسافات واختصارها وفتح خطوط متواصلة للتعارف الجديد مع من نعرف ومن لا نعرف، إلا أنها وضعت حواجز متينة بين العائلة الواحدة وبين أفرادها، كما أفقدت أو على الأقل قللت كثيرًا المظاهر المعروفة للروابط والعلاقات الاجتماعية بعد أن تحولت الزيارات المتبادلة بين الأقارب إلى مجرد رسائل نصية أو دردشات تفتقد بطبيعة الحال الحميمية التي تصاحب الزيارات، هذا فضلاً عن تداعياتها السلبية الأخرى الناتجة عن سوء استخدامها واحتراف البعض في تطويعها بعمليات سرقة أو تجسس أو ابتزاز مالي وأخلاقي للآخرين.
بات معتادًا الآن أن نجد الأطفال في عالم آخر تمامًا عن عالم الوالدين، بسبب ملازمة هذا الهاتف الذكي طوال الوقت أو غالبه، وصار تركيزهم الاساسي التعارف والتواصل والحديث لمجرد الحديث فقط، وهو ما يجعل تماسك الأسرة بالفعل معرضًا لخطر كبير إن لم ينتبه كل رب أسرة إلى أبنائه ويحد من استخدامهم هذه النعمة التي تتحول بفعل سوء الاستخدام إلى نقمة، إضافة إلى أنها تعرض حياة الأطفال نفسها لمخاطر كثيرة قد لا يدركون أبعادها ويحتاجون للتوعية والثقيف منها والتدرج في الحد من استخدامهم الهواتف الذكية.
لا يمكن بطبيعة الحال أن ننكر مطلقًا الدور الكبير الذي باتت تلعبه هذه التكنولوجيا المتقدمة في عالمنا المعاصر لدرجة أننا لم نعد نتخيل حياتنا بدونها، ونستغرب كيف عاش السابقون رغم عدم وجودها وكيف كانت صعوبة الحياة من غيرها، وهي أمور واضحة وجلية ولا تحتاج منا إلى شرح أو تفسير، لذا آثارنا التركيز على الجانب السلبي الناتج عن سوء الاستخدام وليس عن الأداة ذاتها فهي كغيرها من المخترعات العظيمة التي يسرت وسهلت حياة البشرية كلها.
ولعل من المفيد في هذا السياق أن أسوق ـ فقط كجرس إنذار ـ دراسة منشورة على موقع صوت ألمانيا نقلاً عن موقع مجلة “فوكوس” الألمانية وأجرتها مجموعة باحثين في جامعة مانهايم الألمانية، حيث خلصت الدراسة التي أجريت على 500 طفل ومراهق إلى أن استخدام الهواتف الذكية يزيد من التوتر لدى الأطفال والمراهقين، وأوضحت الدراسة ما يلي:
ـ رُبع الأطفال بين سن الثامنة والرابعة عشرة الذين تم استطلاع آرائهم في الدراسة يشعرون بضغط من أجل التواصل المستمر مع أقرانهم من خلال تطبيقات الهاتف الذكي أمثال “واتساب” وغيرها.
ـ نحو ثمانية في المئة من عينة الدراسة أشارت إلى أنها تستخدم هواتفها الذكية بشكل مفرط للغاية، لدرجة أنها مهددة بخطر الإدمان على تلك الهواتف.
ـ نصف من شملتهم الدراسة اعترفوا بأن استخدام الهاتف الذكي ألهاهم عن أداء وظائفهم المدرسية، بالإضافة إلى أن نحو 20 في المئة منهم يعانون من مشاكل في التحصيل الدراسي بسبب استخدام الهاتف الذكي.
ـ أشار 15 في المئة إلى أنهم تجاهلوا صداقاتهم الحقيقية بسبب الهاتف الذكي، فيما قال 11 في المئة منهم إنهم تعرضوا لمضايقات أو إقصاء من مجموعات خاصة في تطبيق الرسائل القصيرة “واتساب”.
ـ الاستخدام المفرط للهاتف الذكي لدى الأطفال والمراهقين ينبع من خوفهم من أن يتم إقصاؤهم من عملية التواصل الإلكتروني بين أقرانهم”.
وفي السياق ذاته، حذر اتحاد أطباء الأطفال والشباب الألماني من عواقب نفسية وجسدية على الأطفال جراء هذا الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، محذرين كذلك من تزايد حالات قصر النظر لدى الأطفال والشباب، إذ ازدادت نسبة الشباب المصابين بقصر النظر مؤخراً بشكل كبير عنها قبل عدة عقود.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .