العدد 2486
الأربعاء 05 أغسطس 2015
banner
العرب بين “سندان” واشنطن و”مطرقة” إيران عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الأربعاء 05 أغسطس 2015

باتت الدول العربية في وضع أكثر صعوبة وأشد خطرًا بعد توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران في فيينا، بعد مفاوضات شاقة استمرت نحو 12 عاما، والذي دشن مرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط سوف تكون مختلفة تماما عن أية فترة زمنية مرت بها المنطقة في الفترات السابقة، حتى في أيام الشاه، وقت أن كانت إيران هي شرطي المنطقة قبل قيام الثورة الإسلامية في 1979، حيث أصبحت المنطقة اليوم بين سندان أميركا ومطرقة إيران. ولعل خطورة توقيع الاتفاق النووي بالنسبة لدول المنطقة العربية، لاسيما دول الجوار مثل البحرين والعراق والسعودية، ينبع من عاملين، الأول عامل التوقيت، والثاني الآثار المترتبة عليه.
العامل الأول، يأتي توقيع الاتفاق في وقت تشهد فيه المنطقة ذروة الاستقطاب الطائفي، حتى أن الحديث عقب توقيع الاتفاق ذهب مباشرة إلى تكوين حلف سني في موازاة الحلف الشيعي الإيراني، كما يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة حربا غير مباشرة بين التحالف العربي الخليجي وإيران، التي تقف وراء الحوثيين في معارك الشمال اليمني، وهو ما يبدو للوهلة الأولى أن الغرب أهدى ميزة جديدة لإيران قد تمكنها من حسم الصراع الدائر في اليمن، والذي لم يشهد حتى الآن تدويلا على مستوى عالمي، وإن كان قد تم تدويله إقليميا، لكن مع دخول الولايات المتحدة طرفا في الصراع بجانب إيران فقد تنقلب الموازين تماما في المنطقة. أيضا يأتي الاتفاق النووي في الوقت الذي تتعافى فيه المنطقة من خطر مؤامرة ما يسمى “الربيع العربي”، الذي ساعد إيران والولايات المتحدة، وهو ما يضيف ميزة أيضا للجمهورية الإسلامية التي قمعت ثورة 2009 في مهدها وقبل أن تقوم، بينما العديد من دول المنطقة لا تزال تخوض صراعا في حرب بالوكالة مع أذرع إيران في المنطقة، في الوقت الذي تنكفئ فيه الدول الأخرى على مشاكلها الداخلية. أما بخصوص العامل الثاني، وهو الآثار المترتبة على توقيع الاتفاق، فلا شك أن الاتفاق جاء لينهي أكثر من 25 عاما من الصراع السياسي الاقتصادي بين الغرب وإيران، وهي الفترة التي شهدت فرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني، وسط قطيعة تامة بين الطرفين.
ما يعني أن جميع القيود التي كانت مفروضة على إيران انتهت تماما إلى غير رجعة، حتى أن مبلغ الـ 150 مليار دولار، إجمالي الأموال المجمدة في البنوك الغربية، سيتم الإفراج عنه للجمهورية الإسلامية، ما يعني مزيدا من التفوق الإيراني في المنطقة. أيضا كشفت تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، الذي قال صراحة عقب توقيع الاتفاق “سواء تم التصديق على هذا النص (الاتفاق النووي) أم لا، فإننا لن نتخلى عن دعم أصدقائنا في المنطقة، فالشعب الفلسطيني المظلوم واليمن والحكومة والشعب في سوريا والعراق والشعب البحريني المظلوم والمجاهدون الصادقون من المقاومة في لبنان وفلسطين سيحظون بدعمنا على الدوام” في إشارة واضحة إلى استمرار المخطط الإيراني لتفتيت المنطقة، معددا في غير خجل الأذرع التي يستخدمها في المنطقة وهي، بحسب خامنئي نفسه، النظام السوري وحركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، والوفاق في البحرين، والحكومات الطائفية في العراق، وعصابات الحوثي في اليمن، مشيرا من غير مواربة إلى أن الدعم سيتواصل لهذه الأذرع، في صراحة غير معهودة!
أيضا من الآثار المترتبة على توقيع الاتفاق تراجع الطلب على النفط الخليجي مقابل الإيراني، فالولايات المتحدة حصلت بالفعل على نفط الخليج وصارت من أكبر الدول التي تمتلك نصف احتياطي النفط العالمي، ما يعني، بخلاف ما يرى كثيرون، أنه حتى “مسمار النفط” في المنطقة لم تعد الولايات المتحدة في حاجة إليه بعدما وجدت ضالتها في طهران.
الخلاصة أن الدول العربية وقعت اليوم بين سندان الولايات المتحدة، حليف المنطقة بالأمس وعدو اليوم، وإيران العدو الدائم للدول العربية، ما يعني تغير معطيات المنطقة تماما، أو الدخول في حقبة جديدة تفرض العديد من التحديات في مواجهتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية