العدد 2455
الأحد 05 يوليو 2015
banner
“داعش” بين واشنطن وطهران عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الأحد 05 يوليو 2015



بدا تنظيم داعش الإرهابي في الفترة الأخيرة وكأنه وحش كاسر وقادر على تحطيم كل من يواجهه ومتمكن من تنفيذ هجمات إرهابية خطيرة وكبيرة متزامنة في مناطق وبلدان متفرقة كما حدث مؤخرا في الكويت وتونس وفرنسا وبعدها بقليل في سيناء المصرية، فهل هذا التنظيم، المكون من بضعة آلاف فرد، متوغل لهذه الدرجة في كثير من البلدان أم أن هناك جهات مساعدة أم أنه هو طرف منفذ لما يملى عليه من دول أخرى؟
لا يمكن فهم أهداف أو غرض التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي نفذها تنظيم “داعش” خصوصا ما يتعلق منها باستهداف مساجد شيعية، وما نتج عنها من مقتل لعشرات الأبرياء، إلا بالرجوع إلى إيران، التي تعتبر كلمة السر والمستفيد الوحيد من هذه الأعمال الإرهابية.
صحيح أن “داعش” تنظيم سني، لكن ليس معنى هذا عدم ارتباطه بشكل مباشر بإيران، فالأخيرة ربما تكون الوحيدة المستفيدة من هذه التفجيرات، التي لم تأت هذه المرة في سوريا، معقل التنظيم الأول، ولا في العراق، الحديقة الخلفية لإيران، رغم قربهما من الكويت والسعودية، وهو ما يقوي من الشكوك بأن هناك أمرا غير مفهوم في هذه السلسلة السريعة من التفجيرات، إذ إنه بالعودة إلى ظروف وملابسات نشأة التنظيم نجد أنه تأسس في الأصل بدعم غربي وأموال غربية لخلق حالة من الصراع السياسي والأمني في سوريا بهدف تمزيقها وليس تخليص الشعب السوري من نظام بشار كما يرددون، بدليل أنه لم يكمل معاركه في سوريا وهرع سريعا إلى العراق بدون أية مناسبة ما يعني أن التنظيم له عقل خارجي يحركه ويرسم له أهدافه، إذا فما الهدف والقصد من هذه التفجيرات التي تطال المساجد الشيعية؟
الواقع أن الولايات المتحدة، حددت أهدافها مبكرا في المنطقة، وفطنت إلى أن الطائفية السلاح الأقوى الذي يمكن من خلاله إخضاع المنطقة، أو على الأقل شغلها بنفسها في موجة من الصراعات الطائفية، لكي يمكن لها تنفيذ مخططها في المنطقة، فبدأت في البداية صنع الشبح الإيراني في المنطقة، وبعد أن روضته سنوات طويلة أقرت شرعيته ووقعت أخيرا معه اتفاق الإطار النووي، مانحة إياه أقوى فرصة للعودة كشرطي وحارس على المنطقة الخليجية، ثم يستمر السيناريو المعد مسبقا بتعريض الطوائف الشيعية لأعمال إرهابية تنفذها جهات سنية مثل “داعش”، ومن قبلها “القاعدة”، صنيعتي الغرب، لتظهر الطوائف الشيعية في البلدان العربية وكأنها مضطهدة، وأن حكوماتها غير قادرة على حماية هذه الأقليات، أو الطوائف، فيكون
التدخل الإيراني مبررا في الشأن الداخلي للدول العربية، التي هي دول جوار مع إيران.
أيضا من الأمور التي تقوي من هذا الطرح، وتؤكد أن وراء التفجيرات الأخيرة إيران وحليفتها الولايات المتحدة، هو أن جرائم “داعش” في العراق لم يغلب عليها الطابع الطائفي بقدر ما غلب عليها الطابع الإجرامي ضد مظاهر الحضارة الإنسانية، حيث تدمير المتاحف والآثار العراقية التي تعود إلى حقب بعيدة، أو جرائم اضطهاد ديني ضد الطائفة المسيحية في العراق التي تم تهجيرها عنوة، بينما لم نسمع عن تفجير مسجد شيعي أو قتل طائفة شيعية في العراق رغم أن الأخير تحول إلى ساحة لأعمال داعش الإرهابية ورغم تورط الحشد الشعبي الشيعي في جرائم طائفية ضد السنة وكان يفترض بداعش الرد بالمثل على مثل هذه الجرائم.
علينا أن نلاحظ أن إيران تمنح داعش مرونة كافية للتحرك على حدودها مع العراق، وهو أمر يمثل لغزًا من دولة تورطت في حرب ضروس ضد عراق “صدام حسين”، الأمر الذي أثار تساؤلات حول غياب إيران عن المعركة في العراق؟ وعدم مواجهتها تنظيم داعش الذي أصبح يمثل خطورة على الحديقة الخليفة منها، كما أنه غير بعيد منها، لكن يبدو أن إيران تأمن جانب “داعش” تماما بعد أن طمأنتها حليفتها الولايات المتحدة بأن تنظيم الدولة لن ينفذ عمليات في إيران ولا حتى في البلاد التابعة لإيران، طائفيا، مثل العراق.
إذا فكلمة السر في كل ما يحدث إيران، فلا أحد على الإطلاق غيرها مستفيد من جرائم “داعش” ضد الشيعة لتهديد أمن واستقرار الخليج العربي ليسير على خطى العراق وسوريا واليمن من حيث الفوضى والانقسام بين أبناء الشعب الواحد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية