العدد 2451
الأربعاء 01 يوليو 2015
banner
المسلمون في الصين (2) عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الأربعاء 01 يوليو 2015


عام 1953، من الأعوام المهمة في تاريخ المسلمين الصينيين، حيث شهد هذا العام عقد المؤتمر الإسلامي الوطني الأول في 11 مايو، وأعلن تأسيس الجمعية الإسلامية الصينية في نفس اليوم، ومن ثم بدأ المسلمون يتولون بأنفسهم إدارة شؤونهم الاجتماعية بما فيها الشؤون الدينية، والمشاركة في بناء الصين الجديدة خصوصا بعد أن انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح إلى الخارج منذ عام 1978.
من مظاهر مشاركة المسلمين في الصين الجديدة تواجد عدد غير قليل من ممثلي المسلمين من الأقليات القومية في الحكومات الشعبية ومجالس نواب الشعب والمؤتمرات الاستشارية السياسية للشعب الصيني على مختلف المستويات، ومشاركتهم في مناقشة شؤون الدولة مع النواب المنتخبين من القوميات المختلفة، وإدارة ومراقبة شؤون الدولة، فضلاً عن تزايد دورهم الاقتصادي في بعض الأنشطة مثل: الملابس، التطريز، معالجة الأطعمة، تربية البقر والأغنام، النقل بالسيارات، والأجهزة الكهربائية المنزلية، والفنادق، والنقل.
منذ عام 1956، ظهر التعارض والتناقض بين النظام الشيوعي القائم وبين الإسلام وبدأ الوضع يتغير ويتبدل المسار من إيجابي إلى سلبي باتجاه الصينيين المسلمين وبدأ اضطهاد المسلمين والمساس بمشاعر المسلمين والتضييق عليهم من خلال أمور عدة من بينها: فرض نظام الزواج المختلط على المسلمين، ونظام الكميونات، ونظام المعيشة المشتركة، ومصادرة أملاك الأوقاف الإسلامية، ووقف مرتبات الوعاظ والمدرسين، وقيام الشيوعيين بالقبض على زعماء المسلمين وإيداعهم السجن وحرق الكتب الإسلامية، وإغلاق المساجد وتحويل بعضها لورش ومخازن، وإلغاء العطلات الإسلامية، ومنع المسلمين من ارتداء ثيابهم القومية، وإجبارهم على ارتداء الملابس الزرقاء.
وخلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، تم إعدام وسجن وتعذيب كثير من قيادات المسلمين وحكامهم وعلمائهم وهدمت مساجدهم وإهانتهم للانتقام منهم لعدم وقوفهم مع الحزب الشيوعي أثناء الحرب الأهلية الأمر الذي جعلهم مطاردين من قبل الجيش الشيوعي وأجهزته الأمنية.
وتعتبر تلك الفترة التي أطلق عليها مرحلة الثورة الثقافية هي الأكثر عنفاً ضد المسلمين الصينيين، حيث تعرضوا للقمع الوحشي تحت شعار حملة تحديد النسل كما تم ضرب رجال الدين والشيوخ في الشوارع، واقتحمت البيوت وصودرت المصاحف والكتب الدينية لتحرق علانية، وأغلقت المساجد، وتم تحويل بعضها الى ورش ومخازن، وألغيت العطلات الإسلامية، وتم إرغام المسلمات على الزواج من الصينيين، ومن ابرز الشعارات المناهضة للإسلام والمسلمين التي رفعت ابان الثورة الثقافية الغوا تعاليم القرآن وتعليمه.
وعادت الأمور إلى مسارها الصحيح مرة أخرى خلال الثمانينات والتسعينات بفضل الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، حيث حرصت القيادة الصينية على الانفتاح الإيجابي على كل الأديان والسماح لمسلمي الصين بالظهور على الساحة فتم السماح للمؤتمر الرابع للجمعية الإسلامية الصينية بالانعقاد بعد غيبة 17 عاما، وعين أحد المسلمين نائبا لرئيس الوزراء عام 1990م، وتمت إعادة فتح المعهد الإسلامي، وإصدار مجلة (المسلمين)، واستئناف بعثات الحج، وإعادة فتح المساجد المغلقة، وإعادة العطلات الإسلامية، بل ساهمت الحكومة بنفقات إصلاح المساجد، وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية.
وتواجد المسلمون في الصين في كل مكان منها، كما تركزوا في بعض المناطق بكثافة وتحديدا في خمس مقاطعات هي: سنجيانج (أويجور)، وشنغهاي، ونينكسياهوي، وكانسو، ومنغوليا الداخلية، بالإضافة إلى 12 ولاية أخرى - من بينها العاصمة بكين - تزيد نسبة المسلمين فيها عن 10 %.
وجاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتعكر العلاقة مرة أخرى وتضفي التوتر بين السلطات الصينية والمسلمين الإيغور في إطار ما كان يسمى آنذاك الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، والتي تولد عنها انتفاضة للمسلمين في يوليو 2010، إذ عمت الاحتجاجات إقليم سينج يانج، ووقعت مصادمات دموية بين المتظاهرين المسلمين والأمن الصيني، وراح ضحيتها العشرات.
ومازال المسلمون يتعرضون لانتهاكات كثيرة ومتعددة، كشف عن بعضها مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية الأديان آينر بيليفيت عندما اتهم حكومة الصين بممارسة سياسة “قمعية” تجاه مسلميها الإيجور في إقليم شينج يانج، ومن بينها الطلب من تلاميذ المدارس الإفطار فيه، وفرض قيود على الملابس التي يرتديها المسلمون وحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
وكان العام الماضي نموذجًا للعنف الحاصل ضد المسلمين وتحديدًا في إقليم شينج يانج وهو العنف الذي حصد مئات القتلى، إذ سقط اثنان وعشرون قتيلاً في هجوم على سوق لمزارعين من قومية الهان في أكتوبر، وخمسون قتيلاً في هجمات على مراكز للشرطة وقعت في سبتمبر، وستة وتسعون قتيلاً في اعتداءات على مبانٍ حكومية في يوليو، وواحد وثلاثون قتيلاً في هجوم انتحاري على سوق في مايو، وثلاثة وثلاثون قتيلاً في هجوم بالسكاكين في محطة قطارات بمدينة كونمينج في مارس، وفي كل مرة تزعم السلطات الصينية أن الأويجوريين هم مرتكبو هذه الجرائم والتفجيرات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية