العدد 2415
الثلاثاء 26 مايو 2015
banner
مسلمو الروهينغا والفرار إلى البحر (3) عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الثلاثاء 26 مايو 2015

في الوقت الذي لم تشكل فيه معاناة مسلمي الروهنيغا مادة دسمة لصحافتنا وإعلامنا العربي، فقد شغل هذا الموضوع حيزًا معقولاً في الصحافة الغربية تحديدا البريطانية، بل وصل الأمر بصحيفة “الغارديان” إلى القيام بزيارة ميدانية؛ للتعرف على واقع المسلمين في ميانمار ونشرت تقريرًا حول نتائج تلك الزيارة في الرابع عشر من مايو الجاري، للكاتبة لسارا بيريا، مؤكدة أن هؤلاء يضطرون لركوب البحر للهروب من حياة لا تختلف كثيرا عن حياة السجن، حيث يعيشون في غيتوهات لا يسمح لهم بمغادرتها إلا في أوقات محدودة، وأن هناك حوالي أربعة آلاف مسلم روهينغي يعيشون فيما يشبه الغيتو في “آنغ منغ لار” في منطقة خاصة بهم من مدينة سيتوي ذات الأغلبية البوذية في مقاطعة راخين شمال غرب ميانمار، مشيرة إلى أنه منذ ثلاث سنوات تم عزل المجتمع هناك عن العالم الخارجي بحواجز للشرطة وأسلاك شائكة، ويعيشون في ظروف شبيهة بالأبارتايد، ويسمح للبعض بالمغادرة تحت الحراسة مرتين في الأسبوع؛ للوصول إلى سوق كانوا ليبيعوا فيه.
واستعرضت الكاتبة بعض القصص المحزنة من بينها وفاة الشابة برمين فيبي ذات الثمانية عشر ربيعا بعد إصابتها بالقيء والإسهال، ولم يستطع أبوها أخذها إلى المستشفى بسبب هذا الحصار المفروض على المسلمين، والذي يجبر عشرات الآلاف إلى دفع الأموال لمهربي البشر؛ لتهريبهم بالبحر إلى تايلندا وماليزيا.
عملية التهريب عبر البحر ليست بالعملية السهلة أو السلسة، وإنما هي عملية تشهد أنواع من الاستغلال والابتزاز للمسلمين، حيث إن المهربين يعملون مع المسؤولين المحليين ومع الشرطة ويبتزون هؤلاء الضحايا ويعذبونهم في مخيمات بالغابات جنوب تايلندا، وقد تم إنقاذ حوالي 500 مهاجر منهم قبالة سواحل أتشيه في إندونيسيا في أوائل شهر مايو. 
بحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين، ركب أكثر من 120 ألفا من الروهينغا قوارب في محاولة للهرب إلى دول أخرى خلال الأعوام الثلاثة الماضية ، إلا أن كثيرين منهم لم ينجحوا في العثور على دولة مستعدة لاستقبالهم، حيث أصبحوا موضع صد ورد في أنحاء جنوب شرقي آسيا دون أن يعثروا على موطن دائم.
وفي السياق، أشارت صحيفة فايننشال تايمز في مايو الجاري إلى أن نحو 25 ألفا من مسلمي الروهينغا الذين يعانون الاضطهاد في ميانمار (بورما) فروا منها بحرا في الأشهر الثلاثة الأولى لهذا العام بحثا عن حياة أفضل؛ لأنهم لا يرون مستقبلا لهم هناك ، لكنهم بدلا من ذلك وجدوا الأمرّين على أيدي المهربين العتاة وبعض الحكومات غير المتعاطفة، ومات منهم ما لا يقل عن ثلاثمئة نتيجة الجوع والجفاف والضرب، وهناك الآن ما بين ستة آلاف وعشرين ألفا يهيمون على وجوههم في البحر حيث نبذتهم السلطات في تايلند وماليزيا وإندونيسيا، وأصبح وضعهم مأساويا لدرجة قد تودي بحياة العشرات أو حتى المئات منهم.
وأشارت الصحيفة إلى حال مهاجري الروهينغا العالقين في القوارب المهترئة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “توابيت عائمة”، وقالت إنهم يقتلون بعضهم بعضا بسبب ندرة الطعام والشراب، حيث تم تسجيل نحو مئة حالة وفاة نتيجة شجار على الطعام على متن أحد القوارب.
أما بعد، فهل يمكن أن نشهد تحركًا عربيًا وإسلاميًا قبل أن يكون دوليًا باتجاه الضغط على السلطات في ميانمار فقط؛ من أجل تقنين وضع مسلمي الروهينغا والاعتراف بهم كمواطنين، وليس النظر إليهم كمهاجرين غير شرعيين، وإخراجهم من الحصار القمعي وإنهاء مسلسل معاناتهم مع البحر الذي بات يعني الموت لهؤلاء المسلمين الذين يأملون في عون حقيقي يعيد إليهم آدميتهم ويحقق لهم إنسانيتهم كغيرهم من البشر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية