العدد 2355
الجمعة 27 مارس 2015
banner
الاقتراب من الأسد (2) عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الجمعة 27 مارس 2015

انتهينا في مقالنا السابق بسؤال حول قراءة الصحف الغربية للتحول في المواقف الدولية من الطاغية بشار الأسد باتجاه التعامل معه كمنقذ ومخلص لأزمات سوريا والمنطقة بعد أن كان هو المتسبب في اندلاعها واشتعالها.
هذا التحول شغل حيزًا مهمًا في تحليلات الصحافة الغربية، إذ اعتبرت صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” الألمانية أنه لم يعد هناك خيار للدول الغربية سوى نظام الأسد أو تنظيم داعش الإرهابي، مشيرة إلى أن ممثلين عن الحكومة الأميركية قد تفاوضوا مع النظام السوري في أماكن سرية، لكنهم انتقلوا الآن من السرية إلى العلنية (واضح أن واشنطن تسير في الأزمة السورية على ذات الخطى التي اتبعتها في أزمة البرنامج النووي الإيراني، إذ بدأت بالمفاوضات السرية وعقد الصفقات الخفية قبل أن تنتقل بالتفاوض والصفقات إلى الوضوح والعلانية).
وقالت الصحيفة: “إن الأسد لعب لعبة ساخرة: فقد عمل أولا على قهر المعارضة الضعيفة ثم ساهم لاحقا في تعزيز تنظيم داعش دون أن يحرك ساكنا. يبدو أنه نجح في هذا التكتيك، ومعه فشلت سياسة الغرب، التي كانت مصممة على إسقاط الأسد. في ساحة المعركة السورية لم يعد للغرب خيار آخر عدا الأسد أو تنظيم الدولة الإسلامية. في حين يبدو خطر تنظيم الدولة الإسلامية أكبر من مخاطر نظام الأسد”.
صحيفة “تاغس تسايتونغ” الألمانية اتخذت موقفًا معارضًا لأي تفاوض مع نظام الأسد باعتباره المسؤول الرئيسي عن الأوضاع الحالية في البلاد وعن مقتل 200 ألف شخص من أجل البقاء في السلطة، مؤكدة أن الحرب ضد داعش هي حرب ضد أعراض الأزمة السورية وليس ضد مسببات هذه الأزمة على اعتبار أن بروز تنظيم داعش جاء نتيجة للنزاع السوري ولم يكن هو السبب في ذلك.
من جهتها، أيدت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية هذا التفاوض على أساس أن مواجهة داعش تشكل أولوية أساسية لإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة، وأن الأسد هو الرجل الذي له إمكانيات التحرك في سوريا.
أما صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، فقد رأت أن الغرب مجبر على العمل مع الأسد، لأنه لا يمتلك أي خيار آخر، حيث إن بربرية تنظيم داعش أخطر بكثير من وحشية الديكتاتور السوري ـ وفقًا للصحيفة التي أكدت أن التخلص من نظام بشار الأسد لم يعد أولوية بالنسبة للغرب الآن، بالرغم من دعوتهم السابقة لتنحي نظام الأسد وفتح المجال لانتخاب نظام آخر بطريقة ديمقراطية، مشيرة إلى أن الغرب وجد نفسه اليوم يحاول منع سقوط سوريا بأيدي المتطرفين السوريين وهو نفس الهدف الذي يسعى إليه الأسد.
وترى صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن الأسد يلعب على وتر أن الرئيس باراك أوباما يراه الحصن الوحيد الأكيد ضد سيطرة تنظيم داعش على كل سوريا، ولهذا السبب عارض أوباما بشدة العمليات العسكرية من أي نوع ضد الأسد، وكانت النتيجة كما قالت الصحيفة أن أصبح الغرب متواطئا معه بتنفيذ ضربات جوية ضد التنظيم، وهو ما يسمح للنظام بتوجيه نيرانه ضد حلفاء أميركا في الجيش السوري الحر أو استهداف المدنيين العزل.
صحيح أن معظم الصحف فسرت اسباب التحول في الموقف الغربي تجاه الأسد بظهور تنظيم داعش الإرهابي، لكنها عمدت إلى التفسير السهل بأن هذا التنظيم الداعشي هو صنيعة الأسد فقط، ولم تحاول استقراء الدور الأميركي في استقواء هذا التنظيم إن لم يكن في خلقه وظهوره، كما لم تقدم لنا تفسيرًا لأسباب عجز واشنطن بقوتها الجبارة في سحق هذا التنظيم الذي تحول إلى لهو خفي في كل مشكلات وأزمات المنطقة.
واضح أن الغرب قرر التخلي عن الشعب السوري وجنح إلى إنهاء الأزمة بالطريقة التي تضمن مصالحه وتريح أعصابه وتوفر وقته بدلاً بعد أن اتضحت النوايا وتأكدت المواقف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية