العدد 2335
السبت 07 مارس 2015
banner
هل بإمكان “مواقع التواصل” تقريب الآراء السياسية؟ د. نعمان الموسوي
د. نعمان الموسوي
السبت 07 مارس 2015

حين اقتحم “الواتساب” حياتنا على حين غرةٍ، لم يستأذنا إطلاقاً في فرض نمط الحياة الجديدة علينا، فوجدنا أنفسنا نلهث ليلا ونهارا وراء الأخبار والأحداث المتلاحقة لحظةً بلحظةٍ بصرف النظر عن محتواها، ومدى الفائدة المتوخاة منها، سواءً على صعيد الفرد أو المجتمع.
ومع أن الواتساب، كأمثاله من مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح حديث الساعة، وبات لمعظم مُستخدمي الهاتف الجوّال زاداً يومياً يصعب الابتعاد حتى عن رائحته، دعك عن التفكير في حذف البرنامج الخاص به من الهاتف، إلا أن البعض لا يزال بين الفينة والأخرى يعضّ أصابع الندم، ويلعن الساعة التي قرّر فيها التواصل مع الآخرين عبر هذه التقنية الذكيّة.
ومن المثير فعلاً التفكير في الأسباب التي دفعت الكثيرين إلى اللجوء القسري إلى الانفضاض عن المناقشات السياسية الدائرة في الواتساب، سواءً حول الأوضاع المحلية أو العالمية التي تختلف بشأنها الآراء بزاويةٍ مستقيمةٍ يميناً ويساراً، حيث تتراوح هذه الظاهرة السلبية من ندرة المشاركة بالرأي أو التعليق على الحدث إلى الصمت المطبق، وكأن شيئاً لم يكن!
أتصوّر أن السبب الأول لابتعاد البعض عن الإدلاء برأيه في القضايا السياسية هو الخوف، ولا أقصد بذلك الخوف من المشاركة في حد ذاتها، فهي ممكنة في كل الأحوال حتى باستخدام رموز لوحة المفاتيح استحساناً أو تذمّراً أو إبرازاً لمشاعر اللامبالاة، ولكن الخوف من رد فعل الآخر، وليس بالضرورة أن يكون الآخر من طائفةٍ أخرى أو تيارٍ سياسيٍ مغايرٍ، بل هو الخوف من رد فعلٍ غير مرغوب أو بالأصح غير محمود عقباه، ربما بسبب رغبة البعض في تأويل المكتوب بما يطيب لهم، واقتناص الفرصة للإيقاع بالآخرين، وجرّهم إلى ملاحقات قانونية. وقد يكون الخوف نابعاً من قلة الثقة بالذات، أو ضعف الخبرة في اختيار نمط التواصل الدبلوماسي الذي يقي صاحبه من الوقوع في المحظور، وفي الوقت ذاته يحترم مشاعر الآخرين.
أما السبب الثاني فهو رغبة البعض في أن يبعد نفسه تماماً عن أهوال السياسة، والاكتفاء بالتفرّج على “المتواصلين”، إن صح التعبير، وهم يتقاتلون للدفاع عن آرائهم، والسعي لجعل التنابز والصراع بين المرئيات المتناقضة مادةً شيقةً للأحاديث التالية مع الأصدقاء في “الجروبات” التواصلية التي تتميّز بسيادة الود والتسامح بين أعضائها، والنأي عن المشاحنات المذهبية، وهؤلاء لا يأبهون بالسياسة رغم أنهم يمتلكون الثقة بالنفس والحكمة والحنكة السياسية!
السبب الثالث، كما أتصوّر، هو ضعف تنظيم مشاركة الأعضاء في “الجروب” التواصلي، وذلك بسبب قلة الخبرة الإدارية والتنظيمية لدى رئيس “الجروب” أو انعدامها في معظم الأحيان. ولعّل هذا هو السبب في ميل الأعضاء، إلى تكرار عمليّات الانسحاب والانضمام لمجموعات التواصل الاجتماعي المختلفة لحين العثور على “الجروب” المتوافق مع الرغبات الذاتية، ومقاصد التواصل، ومخرجاته.
ومن خبرتي الشخصية أستطيع أن أقول بكل ثقةٍ إنني أشارك في الوقت الحاضر في العديد من “جروبات” التواصل ذات الصبغة السياسية والثقافية والاجتماعية، ولا أجد حرجاً في المشاركة، بل استمتع بطرح رأيي الشخصي، مع التزامي باحترام الرأي الآخر وشخوصه. ويعود السبب في ذلك إلى أن القائمين على إدارة هذه “الجروبات” التواصلية السياسية هم أناس مخضرمون يتحلّون بالصفات المطلوبة في رئيس “الجروب”، وهي: الخبرة القيادية، واللباقة، والقدرة على التواصل مع الجميع، والحزم، أيّ ردع المخالفين لمبادئ وقيم التواصل وعدم منحهم الفرصة للتطاول على الأعضاء المختلفين معهم في الرأي أو التعرّض للأعيان والشخصيات التاريخية والذوات الرمزية، وعدم السماح لهم بتسفيه الأفكار أو التقليل من شأن أصحابها، والمهم قبل هذا وذاك أن هؤلاء الرؤساء استطاعوا بحكمتهم وبُعد نظرهم تقريب آراء المشاركين، وإيجاد بيئةٍ فاعلةٍ وجذابةٍ للتواصل بينهم، وهذا هو الهدف الأساسي المبتغى أصلاً من الواتساب وأضرابه!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .