العدد 2296
الثلاثاء 27 يناير 2015
banner
هل يقف الغرب فعلاً وراء تخلفنا ومشاكلنا؟ د. نعمان الموسوي
د. نعمان الموسوي
الثلاثاء 27 يناير 2015

مازالت مجزرة “تشارلي إيبدو” التي استتبعها تطاير أشلاء أصحاب الأقلام والرسومات الساخرة من الإسلام، وأعادت إلى الذاكرة، وبلا تردّد، توجيه الاتهام للشباب العرب الذين استلهموا الأفكار المتشدِّدة بمسؤولية تفشِّى حمى الإرهاب في فرنسا وأوروبا، نقول مازالت هذه المجزرة تطرح العديد من التساؤلات المهمة، وأولها مدى وجاهة ربط الإرهاب بالعرب والمسلمين.
وحتى تتضح الصورة على نحوٍ واقعيٍ يرفض أسلوب الانتقاء وتوجيه الإدانات المبكِّرة دون دليلٍ دامغٍ، دعونا نعود قليلاً إلى الوراء، ونستذكر الفكرة التي راجت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، ومفادها أن الولايات المتحدة صارت منذئذٍ تبحث عن خصمٍ لدودٍ بديلٍ فوجدته منتصباً أمامها في صورة مجموعةٍ كبيرةٍ من الأفراد والمنظمات الماضوية التي مازالت تتعلّق، على حد تعبير السيد القمني “بحبل الحلم المجيد القديم، فلو تمكّن العرب الفاتحون في عهد الفتوحات من اكتساح أوروبا بأكملها، لعاش العالم كله في هدوءٍ وسكينةٍ وتراضٍ وراحة بال، ولما خرجت علينا حضارتهم الغربية وأنظمتهم السياسية الداعية للكفر، والتي سمحت للمُطارَدين باللجوء لبلادهم، ولما عرفنا حياتهم الاجتماعية المغموسة في الرذيلة”.
فهل صحيح فعلاً أن الولايات المتحدة وجدت في مجاميع الشباب اليائسين من المستقبل في الدول العربية والإسلامية ندّاً للاتحاد السوفيتي، وصارت تتربّص بهم أينما حلّوا، وازدادت عداء لهم بعد الهجمات الإرهابية التي نفذّوها في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001؟ أم أن الدعاية الغربية المعادية للعرب هي التي نفخت بوق الإعلام المضاد كي يُرعبنا منهم، ويحيل بلداننا إلى مخازن للذخيرة العسكرية الأميركية كلما اشتدّت الأزمة الاقتصادية في بلد العم سام؟
لا أعتقد شخصياً أن الدول العربية كانت في ذلك الحين، أو أنها الآن، تشكِّل بديلاً للاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل القوة النووية الرادعة للولايات المتحدة، حيث كان يحتل مساحةً جغرافيةً ضخمة تُقدر بسدس العالم، وتكتنز بداخلها موارد بشرية واقتصادية واجتماعية هائلة، وكان يحمل قصب السبق في ارتياد الفضاء، وإنجاز الاكتشافات العلمية الباهرة، وكان يحسِبْ له الأميركان ألف حسابٍ وحسابٍ في مجلس الأمن والأمم المتحدة، فأين نحن من كل هذا؟!
كما أنه من المثير للسخرية القول إن الولايات المتحدة هي التي أنتجت الأفكار المتطرِّفة في بلداننا، وهي التي هيّأت التربة الخصبة لتنفيذ الأعمال الإرهابية فيها عن طريق السماح للمنظمات والهيئات التي “تحتمي بالإسلام” بممارسة العمل السياسي الحرّ دون قيودٍ أو شروط، ودون أن تتخذ ردود أفعال حازمة تجاهها حينما يبدو خطرها ماثلاً إلى العيان. فالعمل السياسي هناك متاح، ولكن ضمن حدود الدستور والقانون، وأميركا، قبل أحداث 2011 طبعاً، كانت تغدق المال على المدارس التي تدرِّس التربية الإسلامية؛ وحتى بعد تلك الأحداث، خرج الرئيس بوش الابن ليؤكِّد مراراً على مواطنة مسلمي أميركا، وعلي سماحة الإسلام، بهدف عدم تعريض المسلمين لأذى من إخوانهم في الوطن هناك من غير المسلمين. وشاهدتُ قبل أيّام فيلماً أميركياً جديداً يُدعى “المواطن” يحكي قصةً حقيقيةً لشابٍ لبنانيٍ حصل على الجنسية الأميركية في اليانصيب، وذهب إلى نيويورك قُبيل الأحدث مباشرةً، وعمل هناك، وكاد أن يُحرم من الجنسية بسبب اشتباهه في الضلوع في تلك الوقائع الفظيعة، لكن سكّان نيويورك تضامنوا معه، وأنصفه القضاء بقوةٍ، مميطاً اللثام عن المحاولات الدنيئة لربط العربي أو المسلم بالإرهاب.
ولكي نتقصّى جذور الإرهاب، يجدر بنا أن نلقي الضوء على أوضاعنا السياسية والاقتصادية، ونحلِّل أسباب تراجع الفكر الوسطي المعتدل في أوساط الشباب، فقد تكون معرفة تلك الأسباب بداية الطريق نحو التحرّر من الوهم السائد بأن الغرب يقف وراء تخلّفنا ومشاكلنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .