العدد 2296
الثلاثاء 27 يناير 2015
banner
ملامح من جهود الملك عبدالله في تعزيز السلام وحوار الحضارات (2) د. سعدالله المحمدي
د. سعدالله المحمدي
الثلاثاء 27 يناير 2015

المرحلة الثالثة - من منبر الأمم المتحدة: وكانت المرحلة الثالثة للحوار متممة للمرحلتين السابقتين وتمثلت في انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك من خلال رؤساء الدول أو ممثليهم تأكيدا على المعنى الكبير لمبادرة خادم الحرمين الشريفين في إسهام الدول الإسلامية وغير الإسلامية في مسألة الحوار.
وألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة في مبنى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 12/11/2008م بمشاركة أكثر من 50 ملكاً ورئيس دولة ورئيس حكومة، وكانت دعوات بعث بها رئيس الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة ميغل بروكمان الى العديد من قادة الدول والشخصيات الفكرية والقيادات الروحية الذين استجابوا للدعوة بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين والذين توافدوا على نيويورك للمشاركة في المؤتمر.
وكان هذا المؤتمر يعد اجتماعا للجمعية العمومية للأمم المتحدة على مستوى القمة للنظر في نتائج مؤتمر مدريد بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبمشاركة ملوك وقادة دول و50 مندوبا على مستوى وزير أو سفير، أجمعوا على أهمية الحوار وضرورته ونبذ التطرف والغلو والإرهاب، وشدّدوا على القبول بالآخر وتفهّمه.
ودعا خادم الحرمين الشريفين رحمه الله في كلمته أمام الاجتماع إلى التعايش بين الشعوب وتجاوز نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات، معتبرا أن التركيز على الخلاف أدّى إلى التعصب وإلى “حروب مدمّرة لم يكن لها مبرر”.
وقال رحمه الله “إنّ كلّ مأساة يشهدها العالم اليوم هي ناتجة عن التخّلي عن مبدأ عظيم من المبادئ التي نادت بها كل الأديان والثقافات”.
وحدّد خادم الحرمين الشريفين طريق الخلاص أمام البشرية، مؤكداً مبادئ العدالة والتسامح، لبناء مستقبل يسود فيه العدل والأمن والحياة الكريمة، على الظلم والخوف والفقر، وقال الملك عبدالله رحمه الله: “إن التركيز عبر التاريخ على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصّب واندلاع حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة، وآن الأوان لأن نتعلّم من دروس الماضي القاسية، وأن نجتمع على الأخلاق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعاً”.
وأضاف رحمه الله: “الإرهاب والإجرام أعداء الله، وأعداء كل دين وحضارة، وما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح والضياع الذي يلفّ حياة كثير من الشباب، كما أن المخدرات والجريمة لم تنتشر إلاّ بعد انهيار روابط الأسرة التي أرادها الله (عز وجل) ثابتة وقوية”.
وأوضح أن “اهتمامنا بالحوار ينطلق من ديننا وقيمنا الإسلامية، وخوفنا على العالم الإنساني، إننا سنمد أيدينا لكل محبي السلام والعدل والتسامح”.
والناظر في كلمة خادم الحرمين الشريفين يدرك بوضوح حرصه على سلامة الإنسان في هذا العالم الذي يشبه بيتا واحدا، والعيش بأمن وكرامة وسعادة وتسامح، ويتضح تأكيده على السلام العالمي وأمن الإنسانية وتركيزه على الحوار عندما قال: “إننا سنتابع ما بدأنا، وسنمدّ أيدينا لكل محبّ للسلام والعدل والتسامح”.
وبهذا الموقف الثابت استحق خادم الحرمين الشريفين احترام العالم، لأنّ دعوته جاءت في وقت أشدّ ما يكون العالم فيه بحاجة إلى الحوار والتعايش والصفح والتسامح والحوار على مبدأ العدل والاحترام.
وأثمرت هذه المبادرات نتائج إيجابية كثيرة من أهمها: تقديم الصورة الصحيحة الناصعة البياض عن الإسلام وتقديمه نقيا وبريئا عما ألصق به من تهم التطرف والغلو والإرهاب، ومخاطبة رؤساء العالم وعقلائه ومفكريه ودعوتهم إلى إعادة النظر في رؤيتهم للدين الإسلامي الذي جاء لإسعاد البشرية وتكريمها.
كما أثمرت إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للتواصل بين الحضارات؛ بهدف إشاعة ثقافة الحوار، وتدريب وتنمية مهاراته وفق أسس علمية دقيقة، وإنشاء جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للحوار الحضاري، ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق أهدافه.
وأكسبت المملكة العربية السعودية التي تؤكد على الدوام أنها صوت عدل وعقل وحريصة على ما فيه خير الإنسان، أكسبتها احترام وتقدير قادة دول العالم والعلماء من الدول لسعيها المخلص والدءوب نحو السلام والاستقرار في العالم.
كما فتحت هذه المبادرات آفاقا جديدة للمنظمات الإسلامية في الغرب للدفاع عن أمة الإسلام وثوابتها العظيمة في الدول الغربية، ودعوة غير المسلمين إلى دينهم بحكمة وموعظة حسنة.
وتتويجا لهذه الجهود تم إطلاق جائزة عالمية للترجمة باسم “جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة” إيمانا بأن النهضة العلمية والفكرية والحضارية إنما تقوم على حركة الترجمة المتبادلة بين اللغات كونها ناقلاً أميناً لعلوم وخبرات وتجارب الأمم والشعوب وترسيخ الروابط العلمية بين المجتمعات الإنسانية.
وبذلك فإن خادم الحرمين الشريفين رحمه الله سبق الآخرين في دعوته إلى عالم بدون صراعات وحروب وذلك من خلال مشروعه للحوار العالمي بين الأديان والثقافات التي تنتمي لها البشرية جمعاء، كما أنه سعى لإيجاد بيئة دولية سلمية ومستقرة تقوم على أساس الاحترام المتبادل.
فرحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وجعل ما قدمّه من خدمة الإسلام والمسلمين في موازين حسناته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية