العدد 2295
الإثنين 26 يناير 2015
banner
ملامح من جهود الملك عبدالله في تعزيز السلام وحوار الحضارات (1) د. سعدالله المحمدي
د. سعدالله المحمدي
الإثنين 26 يناير 2015

ترجّل الفارس الحكيم، الشهّم الأبيّ، الذي جمع بين الحكمة والخبرة، والقوة والأمانة، والبصيرة والعزيمة، والتواضع والمهابة، والحوار والتسامح، والسلام والإسلام.
نعم ترجّل الفارس العظيم، والقائد المحنّك، في وقت تحتاج فيه الأمّة إلى أمثاله من القادة العمالقة، والنوابغ العظماء.
ترجّل بعد حياة حافلة بالعطاء المتدفقّ، والنشاط الدائم لخدمة دينه وأمّته، وشعبه ووطنه، إنّه فارس أحبّ   دينه واعتزّ به، ودعا إليه ودافعَ عنه، في المجتمع الدولي وعبر المنابر العالمية، وأزال عنه التهّم الملصقة به، والإساءات المقصودة له من المنتسبين إليه وغيرهم، فكان بحق داعيا إلى الإسلام، والسلام، والعدل والتسامح، والتعايش والاحترام.
وفيما يلي أتطرق لجهوده رحمه الله، في مجال تعزيز السلام وحوار الحضارات التي تركت بصمات إيجابية واضحة على العمل الإسلامي في الغرب، وأظهرت الإسلام بصورته الحقيقية الناصعة البياض، وأنه جاء لإخراج البشرية من النفق المظلم، وعبودية البشر، وأنه دين الأمن والاستقرار، وإعمار الأرض وإحلال السلام، والمحبة والوئام، والنماء والازدهار.
رؤية خادم الحرمين الشريفين للحوار: “جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين حاملاً معي رسالة من الأمّة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخراً في رحاب بيت الله الحرام، رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشّر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع”.
بهذه الكلمات الرصينة التي تخرج من القلب، فتجد آذانا صاغية وقلوبا واعية، افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، مؤتمر الحوار العالمي في مدينة مدريد بإسبانيا في الفترة من 2008/7/18-16 بمشاركة الوفود العالمية التي شاركت في المؤتمر من طول العالم وشرقه بمختلف الديانات والحضارات، والمذاهب والفلسفات.
لماذا مبادرات السلام وحوار الحضارات؟ لم تبدأ مبادرات خادم الحرمين الشريفين رحمه الله لحوار الأديان والحضارات بشكل عاطفي، ولم تكن نتيجة ظروف معيّنة، بل كانت وليدة فكر رصين، وعقل واع، وقيادة حكيمة تتمتع بالذكاء والنبوغ، وتحملُ على عاتقها مسؤولية قيادة أمّة، من هذا المنطلق واستشعارا بمسؤولية عظيمة تجاه الأمّة الإسلامية في عصر العولمة وإزالة للشكوك والشبهات والأوهام التي ألصقت بالدين الإسلامي من قبل المحرضين والمغرضين، نادى خادم الحرمين الشريفين بالحوار بين أتباع الأديان السماوية كوسيلة فاعلة لمعالجة المشكلات الكبرى التي تعاني منها البشرية، ولبناء جسر متين للقيم الإنسانية المشتركة التي تحقق العدل والأمن والسلام البشري.
ودعى خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار الهادف البناء الذي يمكنه أن يلغي الدعوات الى الصراع بين الحضارات التي تهدف إلى العبث بالعلاقات السلمية بين الشعوب، موضّحا أن الحوار من الوسائل التي تعين على دحض الافتراءات عن الإسلام وتهميش القوى التي تحرض عليه وتصفه بأنه عدوٌ للحضارات الأخرى لاستعداء الآخرين عليه وعلى أتباعه.
ومرّت مبادرات خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الأديان والثقافات والشعوب والحضارات بعدة مراحل نشير إليها في النقاط الآتية:
المرحلة الأولى: التأصيل الشرعي، لمفهوم الحوار الإسلامي:
بدأت هذه المرحلة بشكل اجتماع العلماء والمفكرين المسلمين بجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة خلال الفترة  4 - 2008/6/6  في المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي لدراسة آليات الحوار الإسلامي والتأصيل الشرعي لمفهوم الحوار الإسلامي مع أتباع الأديان والحضارات المختلفة في العالم ووضع رؤية واضحة للحوار ومتفقة تماماً مع المنهج الإسلامي، وصدر عن هذا المؤتمر برنامج لما ينبغي أن يكون عليه الحوار بين الإسلام وغيره من الأديان.
كما كان هذا المؤتمر يهدف للتشاور بين المسلمين حول مؤتمر الحوار بين الأديان السماوية الذي اقترحه خادم الحرمين الشريفين حيث قال في كلمته الافتتاحية: “إن هذا اللقاء يبعث برسالة للعالم مفادها أننا أمة قِيم وعدل، وأن التسامح هي لغة الإسلام” كما أكدّ ضرورة تعزيز لغة الاحترام بين الأديان السماوية، قائلا:
“إنكم تجتمعون اليوم لتقولوا للعالم من حولنا، وباعتزاز أكرمنا الله به، إننا صوت عدل وقيم إنسانية أخلاقية، وصوت تعايش وحوار عاقل وعادل، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن”.
وتركز محاور المؤتمر على تحديد مفهوم الحوار وبيان أهدافه وأسسه ومنطلقاته ووضع المشاركون في المؤتمر منهاج الحوار وضوابطه مع تحديد آلياته وآدابه.
وأكد المؤتمرون أهمية مبادرة خادم الحرمين الشريفين – رحمه الله - على أهمية الحوار ودعوته إليه للتفاهم من خلال القواسم المشتركة مع المجتمعات الأخرى.
المرحلة الثانية: حوارات، في بلد الحضارات، إسبانيا: تمثلت هذه المرحلة في دعوة خادم الحرمين الشريفين رحمه الله إلى مؤتمر عالمي في (مدريد) بإسبانيا في الفترة بين 16 - 2008/7/18 نقل فيه الرسالة التي صدرت عن اجتماع مكة المكرمة، والتقى في هذا المؤتمر عددا من المهتمين بالحوار سواء في المجال الديني أو الحضاري والثقافي من مختلف الأديان والثقافات.
وألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمته التاريخية في المؤتمر برعاية وحضور الملك الإسباني آنذاك خوان كارلوس. حيث أكد خادم الحرمين الشريفين أنه يحمل رسالة من الأمة الإسلامية “تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، وتدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، وتبشرّ الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع”.
وتحدث الملك الإسباني، فأعرب عن أمله في أن يدعم المؤتمر احترام الهويات والمعتقدات، والقيم والأخلاق، التي تمثل القواسم المشتركة بين الأديان السماوية والثقافات والحضارات المختلفة ويؤدي إلى التفاهم المتبادل والتعايش السلمي بين البشر، متمنياً عالماً يسوده السلام والعدل والإنصاف ويسمح للأجيال الحاضرة والمستقبلية في أن تنمو في عز وكرامة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .