العدد 2198
الثلاثاء 21 أكتوبر 2014
banner
أوروبا تقيد الحريات لمواجهة “داعش” (1) محمد علي إبراهيم
محمد علي إبراهيم
الثلاثاء 21 أكتوبر 2014

صدعونا بحقوق الإنسان، عايرونا بأننا “راسبون” في الديموقراطية، وفاشلون في الحريات، اتهمونا بأننا عبارة عن “معتقل كبير”، نكمم ، نقهر الإرادة، نسجن الصحافيين، ساووا بيننا وبين الاتحاد السوفيتي السابق وربما أشنع.
أتحدث عن الأوروبيين والأميركيين الذين وصفونا بكل النعوت والخصائل الجاهلية وقالوا إننا لا نحترم آدمية البشر أو حقوقهم وأن مصر عبارة عن “زنزانة كبيرة”.
قبل أيام قرأنا عن ما جرى في لوكسمبرج فقد شهدت هذه المدينة الصغيرة الجميلة اجتماعا حاسما لوزراء الداخلية والعدل بالاتحاد الأوروبي فما الذي دار في الاجتماع؟! تعالوا نفهم ونتفرج ونعرف أنهم يطبقون المعايير المزدوجة علينا في كل شيء، كان للاجتماع هدف واضح محدد ومعلن هو الحد من سفر شباب أوروبا وفتياتها للالتحاق بتنظيم داعش في سوريا والعراق، فقد اكتشفت أوروبا أن عدد الذين هربوا من بيوتهم وعائلاتهم ووظائفهم بات يزيد على الثلاثة آلاف شاب وفتاة، قررت أن أتابع باهتمام وفضول ما الذي سيفعله وزراء داخلية وعدل أوروبا في ذلك الاجتماع وكيف سيمنعون شبابهم وفتياتهم من السفر للالتحاق بداعش.
في البداية قرر هؤلاء الوزراء دعوة شركات عالمية لحضور هذا الاجتماع، فجاءت جوجل وفيس بوك وتويتر ومايكروسوفت، وتمت مناقشة كل مواد الدعاية التي يبثها تنظيم داعش عبر نوافذ تلك الشركات وقالت سيسيليا بالمستروم المسؤولة عن الأمن والشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي.. إن الاتحاد طلب مساعدة هذه الشركات في البحث عن أفضل الحلول للتصدي لدعاية داعش، وقال جيل كيرشوف المسؤول في الاتحاد عن مواجهة الإرهاب إنهم طلبوا من الشركات منع بث كثير من دعاية داعش عبر جوجل وفيس بوك وتويتر، وبالتحديد مشاهد الذبح والدماء والرؤوس، وقال وزراء كثيرون سواء للداخلية أو العدل بعد ذلك الاجتماع إنهم سيستأنفون مفاوضاتهم مع تلك الشركات بشكل يسمح لأوروبا بإزالة وحذف أي محتوى يتضمن صورا دموية أو تحريضا على العنف والتشدد وتشجيع القتل والإرهاب، وقال الوزراء أيضا إنهم يفضلون التفاوض أولا مع رؤساء تلك الشركات وأن يجري هذا الأمر باقتناع الجميع وموافقتهم وتفهمهم فإن لم يحدث ذلك فسيقرر وزراء أوروبا دفاعا عن مصالحها وأمنها وسلامة شبابها وفتياتها فرض قانون يلزم هذه الشركات بما تريده أوروبا.
وهنا أريد أن أتوقف قليلا بعيدا عن هذا الاجتماع، وأتساءل عن كم وحجم الصرخات التي كنا سنسمعها هنا في مصر لو أن وزير الداخلية والعدل اجتمعا مثلا وقررا التفاوض مع مسؤولي تلك الشركات الكبرى حول أي محتوى يتم بثه عبر نوافذها، كان الناشطون سيجرون عراة في الشوارع يتساءلون عن الحرية، الديمقراطية، الأمان، النزاهة، الحقوق، وبعض هؤلاء سيبدأ في الصراخ مجددا بأن هذا هو حكم العسكر وهذه هي الديمقراطية على طريقة العسكر، وسنرى المسيرات الغاضبة والرافضة لهذا التدخل وانتهاك الخصوصية والحريات الشخصية، وستشهد شبانا عبر الإنترنت يخوضون حربا شعواء ضد القهر والديكتاتورية والسلطة الأمنية والإسراف في الصراخ والبكاء والحزن والاحتجاج وممارسة كل ما هو متاح من شتائم ولعنات، ويمنحنا هؤلاء إحساسا حادا بأن في مصر لا يمكن لرجل شرطة أن يستوقفه أو يمنعه من دخول أي مبنى أو جامعة أو ملعب حاملا سلاحا أو نيرانا، ولا يمكن لأية سلطة أن تراقب وتمنع وتوقف ما ترى أنه يمثل خطرا وتهديدا.
إيلاف

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية