العدد 2843
الأربعاء 27 يوليو 2016
banner
لماذا لا يصدر نعي رسمي للعراق؟ (1) خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله
الأربعاء 27 يوليو 2016

مسكين العراق. إذا كان الانقلاب العسكري الذي وقع في الرابع عشر من تموز 1958 بداية مرحلة الانحدار التي توجت بالغزو الأميركي في العام 2003، فإنّ الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لهذا الانقلاب جاء ليكرّس الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة العراقية، أو ما بقي منها.
كان ظهور “الحشد الشعبي” في العرض العسكري الذي أقيم في بغداد يوم الرابع عشر من تمّوز 2016 نهاية معلنة للجمهورية العراقية، ذلك ان “الحشد الشعبي” ليس سوى ميليشيات مذهبية لا مهمّة فعلية لها سوى القيام بعمليات تطهير لمناطق عراقية معيّنة. تستهدف عمليات التطهير هذه كلّ ما هو سنّي عربي في العراق. ليست الميليشيات المذهبية سوى أدوات إيرانية لا أكثر ولا أقلّ تستخدم في تصفية بقايا الدولة العراقية. لعلّ اخطر ما في الأمر موافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي على مشاركة الحشد في العرض العسكري الى جانب وحدات من الجيش العراقي، إضافة الى رعايته العرض.
عندما يقبل جيش أن يكون في مستوى ميليشيا مذهبية، فألف سلام على هذا الجيش الذي اصرّ المفوّض السامي الأميركي بول بريمر على حلّه في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدّام حسين وسقوط العراق تحت الاحتلال الأميركي.
لا يمكن الدفاع عن النظام الذي أقامه صدّام حسين، لا لشيء سوى لأن هذا النظام لم تكن له علاقة بالاعتبارات الحضارية والإنسانية بأي مقياس من المقاييس. تكفي الحروب التي خاضها من أجل التأكّد من ذلك. خاض حرباً طويلة مع إيران ليس معروفاً هل كان باستطاعته تفاديها، استهلكت هذه الحرب خيرة الشباب العراقي واستنزفت ثروات العراق ودول الخليج، وحده التاريخ سيحكم هل كان بالإمكان اللجوء إلى خيار آخر غير الحرب، خصوصًا انّ الهجوم العراقي على إيران واحتلال قسم من أراضيها جعل الشعور القومي الفارسي يستفيق فيها. وعرف نظام الخميني كيفية الاستفادة من ذلك الى ابعد حدود، واضعاً الجيش الذي كان يمكن ان ينقلب عليه في مواجهة مع القوات العراقية.
كذلك، احتل العراق الكويت في عهد صدّام. كيف يمكن لبلد احتلال بلد آخر وتشريد شعبه بحجة حصول خلاف في شأن أسعار النفط أو في شأن بعض الآبار النفطية على الحدود بين البلدين، أدخل صدّام العراق في منطق اللامنطق، لكن مؤسسة الجيش بقيت، في كلّ وقت، صامدة الى حدّ كبير ورفضت النزول الى مستوى ميليشيا تحت أي مسمّى من المسمّيات. صحيح انّه كان هناك “جيش شعبي” في عهد صدّام، إلّا أن هذا “الجيش الشعبي” لم يستطع يوماً وضع الجيش العراقي تحت مظلته. على العكس من ذلك، بقي الجيش العراقي يتمتّع بوضع خاص وبقي لمعظم كبار ضباطه رأيهم، وإن كان غير معلن، بصدّام حسين ورتبه العسكرية وأوسمته. اضطر الأخير الى اختراع رتب عسكرية لنفسه، مثل رتبة “المهيب” وذلك كي يقول إنّه ينتمي بطريقة أو بأخرى الى المؤسسة العسكرية التي بقي في نهاية المطاف عالة عليها ومرفوضاً منها.
لدى التمعن في مشهد العرض العسكري المشترك بين الجيش و”الحشد” في الرابع عشر من تمّوز 2016، نجد الجيش العراقي اقرب الى المغلوب على امره. يبدو أن إيران نجحت أخيراً، في ضوء الحرب المشتركة التي خاضتها مع “الشيطان الأكبر” على العراق، في الانتهاء من الجيش العراقي ووضعه تحت حماية الحشد الشعبي، أي حماية الميليشيات المذهبية التي تولّت امن العرض العسكري الذي أقيم في بغداد. فرضت ميليشيات الحشد الشعبي إجراءات في احياء معيّنة من بغداد في أثناء العرض العسكري، فيما كان الجيش في موقع المتفرّج الذي لا حول له ولا قوّة!. “المستقبل”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية