العدد 2393
الإثنين 04 مايو 2015
banner
خرج من لبنان... ليخرج من سوريا خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله
الإثنين 04 مايو 2015

مرّت منذ أيام الذكرى العاشرة لجلاء القوات السورية عن لبنان. من كان يصدّق أن القوات السورية، ومعها الأجهزة الأمنية، يمكن أن تخرج يوما من لبنان بعد احتلال استمرّ رسميا نحو ثلاثة عقود تحت شعار “شعب واحد في بلدين”، وذلك قبل أن يتبيّن أن هناك شعوبا عدّة في بلدين وفي ما يمكن أن يصبح أكثر من بلدين ودولتين.
لا شكّ أن اللبنانيين لم يتمكنوا من التنعم بالحرّية التي يعنيها الانسحاب العسكري السوري. هذا عائد إلى أسباب عدة من بينها خسارة رفيق الحريري الذي اغتيل قبل شهرين وأسبوعين من الانسحاب السوري والذي كان دمه وراء الاستقلال الثاني الذي سمّاه الشهيد سمير قصير “استقلال - 2005”. 
بقيت خسارة رفيق الحريري من النوع الذي لا يعوّض، لا في لبنان ولا في سوريا نفسها، حيث شعر النظام بمدى قدرته على لعب دور إيجابي في مجال نسج علاقة طبيعية بين لبنان وسوريا وبين اللبنانيين والسوريين، وبين السوريين أنفسهم، بما يخدم في نهاية المطاف البلدين في آن.
كان الدور الذي يمكن لرفيق الحريري أن يلعبه في هذا المجال سببا كافيا كي تعمل إيران والنظام من أجل التخلص من الرجل الحالم بالعروبة، بمعناها الحضاري أوّلا، وبوضع الوطن الصغير، الذي اسمه لبنان، على خريطة العالم والمنطقة مجددا.
من بين الأسباب الأخرى التي حالت دون تمكن لبنان من التنعم بالحرية، مسارعة إيران عبر “حزب الله”، وهو ليس سوى لواء في “الحرس الثوري”، إلى ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب السوري.
تلا ذلك افتعال حرب مع إسرائيل، كي تعيد الأخيرة، مستخدمة إرهاب الدولة، البلد سنوات إلى خلف.
ثم جاء اعتصام استمرّ سبعة عشر شهرا في الوسط التجاري لبيروت شارك فيه، إضافة إلى ميليشيا “حزب الله” تيار النائب المسيحي ميشال عون الذي باشر باكرا لعب الدور المطلوب منه إيرانيا، خصوصا في مجال تغطية عملية نشر البؤس في البلد. أصبح عون، بكل بساطة، عنوانا للغطاء المسيحي لعملية نشر البؤس في البلد.
في سياق تعداد الأسباب التي جعلت اللبنانيين غير قادرين على الاستفادة من جلاء الاحتلال، موجة الاغتيالات التي بدأت بالصديق والأخ سمير قصير. استهدفت الاغتيالات شخصيات معيّنة يمكن أن تلعب دورا في بناء البلد وتحصين مؤسساته الوطنية والدفاع عنها.
كان مطلوبا في كلّ وقت إفشال التجربة اللبنانية المختلفة التي تمثّلت يوم الرابع عشر من مارس 2005، حين نزل كلّ لبنان تقريبا إلى الشارع لتأكيد أن هناك بلدا يستأهل الحياة. أكّدت تظاهرة الرابع عشر من آذار أنّه يمكن أن يكون هناك بلد على المتوسط يشكل نموذجا للعيش المشترك بين طوائف ومذاهب وقوميات بعيدا كلّ البعد عن النظام الأقلّوي في سوريا ونتائج ما أسفر عنه الاحتلال الأميركي للعراق.
جاء ظهور تنظيم “فتح الإسلام” السوري في مخيّم نهر البارد الفلسطيني قرب طرابلس كمحاولة واضحة لإيجاد شرخ في العلاقة بين اللبنانيين وإظهار السنّة بأنّهم يمثلون كلّ ما هو متطرّف وأنّ الجهود يجب أن تتركّز على بناء حلف الأقليات الذي عماده النظام السوري. استفاق النظام فجأة على مكان دفن مار مارون، بعدما ارتكب كلّ ما ارتكبه في حقّ الموارنة والمسيحيين.
بعد عشر سنوات على الانسحاب السوري من لبنان، يمكن الخروج بمجموعة من الاستنتاجات التي كان في اساسها هذا التطوّر المحوري على الصعيد الإقليمي.
قبل كلّ شيء، تبيّن أنّ على لبنان الاستمرار في المقاومة من أجل استعادة حرّيته ووضعه الطبيعي ودوره المفترض في المنطقة. هذا الدور ليس وهما، بل هو نتيجة منطقية لصمود اللبنانيين عموما وقدرتهم على المقاومة. الدليل على ذلك أنّ اللبنانيين قاوموا الوصاية السورية وهم الآن يقاومون الوصاية الإيرانية التي لابدّ من الاعتراف بأنّها نجحت إلى حدّ كبير في تحقيق اختراقات في مجال تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان من جهة والعثور على أداة مسيحية من جهة أخرى.
في ظلّ المقاومة اللبنانية المستمرّة، هناك أمران لابد من التوقف عندهما. الأوّل أن بشّار الأسد لم يستوعب، إلى اللحظة معنى اضطراره إلى سحب قواته من لبنان. لم يتصرّف من منطلق أن اغتيال رفيق الحريري جريمة في حجم جريمة اجتياح صدّام حسين للكويت وأن عليه القيام بتغيير جذري على كلّ صعيد في حال كان يريد تفادي الوصول إلى مرحلة الرحيل عن دمشق، كما بات مطروحا الآن، فات الآن أوان القيام بمثل هذا التغيير!
تصرّف الأسد الابن من منطلق أن الانسحاب من لبنان، يُعتبر ثمنا كافيا للتغطية على الجريمة. تبيّن مع مرور الوقت أن هذا الثمن ليس كافيا وأنّ أقل ما عليه عمله هو الخروج من السلطة. سيحصل ذلك عاجلا أم آجلا. ما نشهده اليوم في الغوطة والقلمون ودرعا وحتّى في احياء تعتبر جزءا من دمشق، وفي حلب وإدلب ودير الزور وجسر الشاغور، دليل على أن خروج النظام من لبنان كان بداية خروجه من سوريا أيضا. لم يكن كافيا تسليم لبنان إلى ايران كي يسلم رأس النظام في دمشق.
تستطيع ايران ابقاء هذا النظام على قيد الحياة سنة وسنتين وثلاث وأربع وخمس. تستطيع المشاركة في ذبح الشعب السوري مباشرة أو عبر ميليشيات لبنانية عراقية وباكستانية وأفغانية... كما تستطيع إلغاء الحدود الدولية بين لبنان وسوريا، ولكن في نهاية المطاف، لا يمكن لأحد الانتصار على الشعب السوري.
كان يمكن لبشّار الأسد أن يبدأ مراجعة حساباته اللبنانية والسورية والإقليمية لحظة اضطراره إلى الانسحاب من لبنان. كان يُفترض به إدراك أنّ عليه الاهتمام  من الآن فصاعدا بسوريا والسوريين ووقف الحديث المضحك ـ المبكي عن “الممانعة” و”المقاومة”. العنوانان تستخدمهما ايران لتوريط من يحب أن يورط نفسه في لعبة لا تخدم سوى مصالحها مع “الشيطان الأكبر” و”الشيطان الأصغر”.
في النهاية، هل كان رئيس النظام السوري يمتلك من القدرات والتواضع ما يسمح له بتقدير حجم الجريمة التي شارك فيها، أو التي وجد من يشركه فيها؟
في كلّ الأحوال، سيبقى تاريخ السادس والعشرين من أبريل 2005، تاريخا مفصليا. إنّه تاريخ بدء العدّ العكسي لخروج النظام السوري من سوريا بعد خروجه من لبنان. إيلاف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .