العدد 2418
الجمعة 29 مايو 2015
banner
خطورة عدم توازن الأسعار سميح بن رجب
 سميح بن رجب
الجمعة 29 مايو 2015

من أساسيات استقرار الأسواق الداخلية في جميع بِقاع العالم الاعتماد على استقرار أسعار السلع والخدمات، بالأخص السلع الأساسية التي تمس الجميع بتماس مباشر وغير مباشر في احتياجاتها اليومية وعلى سبيل المثال وليس الحصر الأسمنت مادة أساسية في قطاع مقاولات البناء لو ارتفع سعرها أو انخفض يكون تأثيره غير مباشر على المواطن العادي وقد لا يكون له أي تأثير على الوافد والسائح للبلاد ونفس الشيء لمنتجات أخرى أساسية في هذا القطاع مثل الرمل والحديد وإلى آخره، في حين إن الارتفاع في أسعار مواد أساسية تموينية تمس المواطن وبشكل يومي سيكون تأثيرها السلبي على الجميع.
في عام 1994 بعد أن قررت العراق تقليل قيمة دعم النفط المُصدّر للأردن والتي كانت تُحتسب بِسعر مخفض جداً حيث كان السعر 7 دولارات للبرميل (في حينه سعر النفط العالمي كان قُرابة 16 دولارا للبرميل) للشعب الأردني وتم رفع السعر إلى 10 دولارات للبرميل وعليه قررت الحكومة الأردنية بِرئاسة رئيس الحكومة في تلك الفترة الدكتور الكباريتي- لِرفع سعر بعض السلع المدعومة لتغطية قيمة العجز في سعر شراء النفط. إحدى هذه السلع كان الطحين وكان قرار الزيادة في السعر إلى الضعف أوصل بعض المحافظات الأردنية للقيام بِثورة على حكومة الكباريتي التي سُميت بثورة الرغيف وبعد أن وصلت الأمور لذروتها من حالة فوضى وعدم سيطرة الدولة على أمن هذه المحافظات، قررت الدولة إرجاع سعر الرغيف إلى ما كان عليه وإعفاء رئيسها من إدارة الحكومة مع العلم أن رفع سعر المشتقات النفطية في حينها لم يربك الأسواق المحلية في الأردن. هناك قصص كثيرة جداً في موضوع رفع دعم السلع الأساسية منها عربية ومنها في دول أوروبية ولن نُطيل عليكم ونقول ماذا سيحدث إذا ارتفعت أسعار اللحوم المدعومة حالياً للمواطن البحريني والمقيمين من  دينارللكيلوجرام إلى 4 دنانير للحوم الحمراء و2/500 دينار للكيلوجرام للحوم البيضاء!
حسب مقاييس وزارة التنمية الاجتماعية للأسرة المكونة من أب وأم وطفلين والتي ستحصل على 14 دينارا كُل شهر سيكون بإمكانهم شراء اللحوم بقيمة 1.466 دينار في اليوم، أي ما يُعادل 366 جرام فقط من اللحوم الحمراء أي يجب على هذه الأسرة تخفيض استهلاكهم إلى ثُلث استهلاكهم الطبيعي لكي لا يشعروا بتضخم سعر اللحم وهذا كلام غير ممكن بتاتاً لأن هذه كميات استهلاك تعطى للأُسر دون خط الفقر ونحن حسب تقارير الوزارة المعنية لا توجد لدينا أُسر تحت خط الفقر فكيف يكون هذا.
دعم السلع والخدمات الأساسية موجودة في كُل العالم وليست وليدة اليوم، هذا المبدأ أتى بالأساس من فكرة بيت المال الإسلامي والهدف منه كان ولايزال حماية المجتمعات وإحدى طُرق توزيع الثروات على المواطنين وأما مشروع إعادة توجيه دعم الدولة للمواطن في اللحوم وغيرها فكرة رائدة ولكن إذا آليات تنفيذها لم تكن سليمة قد تُسبب انتكاسات اقتصادية لا سمح الله تقود إلى اضطرابات أمنية أيضاً.
اقتصاديا سوف يخسر الشارع التجاري قطاعا مهما جداً وهو المطاعم الصغيرة جداً وستصل للمطاعم المتوسطة أيضا والتي تُشكل النسبة الأكبر في قطاع المأكولات ناهيكم عن مدى تأثير زيادة سعر مادة غذائية أساسية على باقي أسعار المنتجات وتأثيرها على المستوى المعيشي لأكبر عدد عمالة وافدة تعمل لدينا في الأعمال المتدنية الدخل وهذا بِحد ذاته سيشكل نكسة في قطاع المقاولات، حيث لن يبقى لهم عمالة إلاّ بزيادة أجورِهم مما سينعكس على جودة المشاريع وزيادة كُلف هذه المشاريع على المُستهلك.
وبناءً على بعض النظريات الاقتصادية والدراسات العلمية والخِبرات الميدانية تَكُون عملية إعادة توجيه الدعم الحكومي للمواطن عملية خطيرة وسلاحا ذا حدين إذا لم تُحسب أبعاده وعواقبه بصورة صحيحة وبتجرُّد من أي مصالح شخصية والتفكير في ما سيحصل من أزمات وتغييرات قد لا تُحمد عُقباه. ولِذَلِك نطلب من حكومتنا الرشيدة التفكير جدياً وأخذ الرأي المخلص وعدم أخذ رأي الشركات الاستشارية التي تعتمد في دراساتها على وضع الحلول من خلال الحسابات العكسية ( Revers Acounting ) أي بمعنى آخر أن تبني حلولها مقدماً حسب ما يرغب الزبون الوصول إليه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية