العدد 2334
الجمعة 06 مارس 2015
banner
دروس مُستفادة من الخصخصة (6) سميح بن رجب
 سميح بن رجب
الجمعة 06 مارس 2015


تنطوي عملية مقايضة الدَّين العام الخارجي بِحقوق مُلكية في المشروعات العامة على عدة مخاطر من أبرزها تحويل الأرباح والفوائد والدخول والتوزيعات التي يجنيها المُلاك الجُدُد - خاصة الأجانب - ستؤثر في الأجل المتوسط على زيادة العجز في ميزان المدفوعات، رغم ما يكون في الأجل القصير من تخفيض عبء الدَّين من خلال إلغاء دفع الفوائد والأقساط المستحقة عن الديون التي ستقايض بحقوق المُلكية ويصبح للأجانب المستثمرين نصيب في الدخل المحلي المخفض ويتضاعف مع زيادة تحويل الديون إلى حقوق مُلكية وسيظل مستمراً طالما بقيت المشاريع مملوكة للأجانب.
ومِن أبرز المخاطر أيضاً إتاحة الفرصة للهيمنة الاقتصادية عبر الشركات متعددة الجنسية من خلال امتلاكها المشروعات المحلية، ويكون ذلك غالباً في ضوء امتيازات وضمانات سيتضرر منها البلد مثل حرية تحديد الأسعار والأجور ونوعية التقنية المُستخدمة والإعفاءات الجمركية والضريبية، الأمر الذي يتعارض مع سياسات القومية.
وهناك أيضاً مخاوف من تحويل الدَّين الخارجي إلى أصول إنتاجية سيدفع البنك المركزي إلى التوسع لإصدار النقود لِمواجهة طلب تحويل الدين الخارجي إلى نقد محلي مما يُسهِم في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، ويُذكر في هذا الصدد أن تحويل 5 % من الدَّين المُستحق في أربع دول في أمريكا اللاتينية قد أدى إلى زيادة عرض السيولة النقدية المحلية بِنِسب تتراوح بين 33-59 %.
لِذا لابُد من وضع ترتيبات مناسبة تمنع المؤسسة المنقولة إلى القطاع الخاص من الاصطدام بالمصلحة العامة ولِذلك نجد بعض الحكومات تختار سياسة الاحتفاظ بالأغلبية في مُلكية المؤسسات وعند إتمام عمليات البيع العام بالكامل ينبغي توفير الإطار السياسي المعقول لِنقل المُلكية وخاصةً فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بِنسبة الأسهم المطروحة للمستثمرين المحليين مقابل التي تُطرح للمستثمر الأجنبي.
من الخطأ أن يتم بيع أو نقل ملكية المؤسسات العامة دون دراسات وافية فكثيراً ما أدت القرارات الارتجالية إلى بيع المؤسسات بِأقل من سعرها في السوق إلى مجموعة من أصدقاء أصحاب القرار، وكان ذلك فتحاً لِباب من الفساد والرشاوى.
وهنا ينصح الخبراء بالتدرُج في إتمام عملية الخصخصة للوصول إلى نتائج إيجابية وفي المقابل التسرُع يؤدي إلى كثير من الفشل في تحقيق الهدف المُعلن من الخصخصة لِذلك بجد أن بريطانية التي تُضرب بها المثل في تجربة الخصخصة كانت انتقائية ومُتدرجة ولم تتعدٌ عمليات الخصخصة أصابع اليد خلال حكومة المحافظين التي تبنَت هذة السياسة في عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر في الوقت الذي بيعت فئة كُل المؤسسات العامة بِلا حدود، وفي أي وقت في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وحسب تعبير أحد السياسيين أن عمليات البيع والخصخصة كانت تتم كُل ثلاث أو أربع ساعات في تِلْك البلاد، بينما نجد أن التجربة الصينية في الخصخصة كانت متدرجة وانتقائية في آنٍ واحد. لا يُنكر دور الخصخصة إذا توخيت شروط نجاحها في تقليل عدم التوازن المالي الذي تُعانيه مُعظم الدول النامية ويمكن أن تدُلنا أرقام العائدات المالية من عمليات الخصخصة على أن العديد من الدول بدأت تجني ثمار الخصخصة في الفترة من 1990-196 ومِثال ذلك البرازيل التي حققت 22 مليار دولار تقريباً والإرجنتين 16،3 ملياراً والمكسيك 24،9 ملياراً كنتيجة لعملية الخصخصة. كذلك الاقتصادات الصغيرة مثل بيرو التي حققت مليار دولار، والفلبين 3،7 مليارات، وبولندا 3،8 مليارات.
إن عملية الخصخصة في ضوء الدروس المستفادة لابُد منها لإطلاق المبادرة الفردية في مجتمعات الدول النامية ليس على الصعيد الاقتصادي فقط وإنما لِتشمل النواحي الاجتماعية والسياسية وبغير إزالة القيود أمام إطلاق المبادرات الفردية والخاصة التي في مجموعها تُشكل المبادرات الجماعية ولا سبيل لهذه المجتمعات في الوصول إلى التحضُر إلا عندما تسود قيم العدل والمُساواة والحُرية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .