العدد 2202
السبت 25 أكتوبر 2014
banner
ثلاثون سنة ضد “داعش” (1) عمار السواد
عمار السواد
السبت 25 أكتوبر 2014

هل تحتاج داعش إلى ثلاثين سنة من الحرب كما يرى وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا؟! سقف زمني صادم، أياد علاوي نائب الرئيس العراقي استخدم وصف “تضخيم يرمي لأهداف أخرى” على التصريحات الغربية باستمرار الحرب لسنوات عديدة، وأظنه مصيبا في الحديث عن أهداف أخرى.
سيُفسر الأمر بالنفط والموقع الاستراتيجي والسياسات الإمبريالية وأمن اسرائيل، التفسير نفسه الذي نكرره مرارا، وسيقال إن الهدف هو “الشرق الأوسط الجديد” المقسم إلى دويلات مذهبية وقومية صغيرة، تفسيرات متوقعة، وبعضها صحيح، لكن ذلك متوفر دون وجود حشد دولي، والمنطقة خاضعة للسياسات الغربية منذ مطلع القرن الماضي، وكل ما فيها لا يوحي بأية إمكانية للتحرر من ذلك في المدى المنظور.
الرغبة بالسيطرة سبب وجيه دائما، لأننا لا نتحدث عن دول تعتمد سياسات أخلاقية، ولا وجود لهكذا دول في التاريخ، لكن الحرب لسنوات طويلة ربما تكون مخاطرة غير محسوبة لسيطرة مستقرة، إلى ان يتوفر هدف ابعد من سيطرة سياسية واقتصادية لهذه الحرب.
ما تتيحه الحرب الطويلة مرتبط بالصراع الحضاري الذي انتقل الغرب اليه بعد انهيار المعسكر الشرقي وانفراد النموذج الأميركي بحكم العالم وثقافته في ظل ثورة الاتصالات وجميع وسائل العولمة. لذا، الهدف ليس تنظيم داعش، انما الخوف من النسخة الإسلامية المتطرفة بكل تجلياتها وخلفياتها ايضا، فالحرب ذات السنوات الطويلة لن تكون ضد هذا التنظيم، بل ستشمل طموحات عميقة لدى ورثة الخلافة الإسلامية بالسيطرة على العالم، وهو جزء مهم من أجندة الصراع بين الحضارات أو الثقافات.
مثلا، التجربة الغربية لا تخشى ثقافياً من الصين، ولا من الدين الهندي “البوذية” الذي يعد أهم بديل فردي لدى الكثير من الغربيين، انما تخشى الرغبة بالسيطرة ثقافيا على العالم التي تسكن الذهنية الإسلامية، باعتبارها ايضا رؤية عالمية تستفيد من وسائل العولمة. وهذه النسخة من الإسلام، النسخة التي تعتمد “الدين العالمي الموجه لشؤون الدنيا والآخرة”، بالتأكيد تهدد النموذج الغربي في السياسة والمعرفة والاقتصاد والمجتمع، لهذا داعش هي العدو الأول، أو المبرر الاساسي للتدخل لغرض تفكيك الحاضنة الفكرية له، والمتمثلة بالآيديولوجيا الشمولية، وتحويلها الى رؤية فردية أو دين عبادي، وهذا ما يفسر الكثير من التصريحات الغربية التي تدافع عن الإسلام ضد الإسلام، وترصد مقولات التعايش وقبول الآخر بدل تلك المتصلة بالجهاد ومنهجية الدعوة.
بعضنا اليوم يعتمد مفردة أن داعش تنظيم خلقته الولايات المتحدة، كما حصل مع الأفغان العرب في حرب السوفيات، رأي لا يميز بين الصنيعة والاستثمار، فالغرب لم يصنع داعش ولا الأفغان العرب ولا طالبان والقاعدة، إنما استثمرها وسهل عملية نشوئها أو نضوجها، معتمدا على رغبة لدى بعض الشعوب بذلك، أو على تناقضات خلّاقة بين البلدان.
سيقال إن حلفاء اميركا هم من صنع داعش، ويُقصد بذلك تركيا، وهذا يعني توّرط الدولة العظمى، بينما الأصح انها سمحت للرغبة التركية بمنافسة التمدد الإيراني لاستثمار ذلك، والمعالجات لن تكون على الطريقة التركية ولا الإيرانية ولا العربية، انما على الطريقة الأميركية، حرب تورط فيها الجميع، جميع من يمتلكون فضاء التطرف، وسيكونون هدفا فيها بشكل وآخر، ليس سياسيا إنما في اطار معالجات جذرية تعتمد القوة العسكرية والقرارات الأممية الملزمة لمنابع “الرؤية المتطرفة”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .