العدد 2235
الخميس 27 نوفمبر 2014
banner
ليس بيتا للعنكبوت نزار جاف
نزار جاف
الخميس 27 نوفمبر 2014

هل حقا سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول نهاية تموز 2015، كما حدد الاتفاق الجديد الذي أبرم بين مجموعة 5 + 1 وبين النظام الإيراني حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل والقلق؟ هل حقا طهران صادقة وجادة فعلا في نواياها؟ هل الغرب جاد وصادق في تعامله مع الملف النووي الإيراني بنفس جديته ومصداقيته التي أبداها مع الملفين النووي العراقي والليبي؟ أسئلة كثيرة تتبادر للذهن عقب العملية المزرية لفشل اتفاق جنيف المرحلي من جانب الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة التي يبدو أنها تنتظر شيئا من وراء تمسكها بخيار التفاوض مع نظام هو الأخطر في تاريخ المنطقة.
مراهنة الرئيس أوباما على نوايا الرئيس روحاني، باعتباره يمثل تيارا إصلاحيا اعتداليا يريد إيجاد حل للملف النووي لبلاده، انما يدل على قصر نظر وسوء فهم كامل للمشهد الإيراني وأبعاده المختلفة، بل وحتى يدل على جهل مطبق ومثير للشفقة، لأن البناء الفكري السياسي لنظام ولاية الفقيه هو غير البناء الفكري السياسي لأي نظام شمولي دكتاتوري آخر، ومن المستحيل أن يتمكن شخص كروحاني من الحركة والتصرف واتخاذ أي قرار ما لم يكن الأمر صادرا إليه من الولي الفقيه.
لو عرف السبب بطل العجب، وإن سحب هذه القاعدة على سر تمسك النظام الإيراني ببرنامجه النووي وإصراره على طابع السرية والكتمان الذي يحيط، لا يحتاج للكثير من التفكير لفك الرموز والأحجية الخاصة بها، ذلك ان هذا البرنامج وكما وصفته ندوة بروكسل خلال الأسبوع الماضي (برنامج نووي عسكري تحت غطاء برنامج مدني)، فإن النظام الديني المتشدد قد شرع فيه اساسا كظهير وأساس وركيزة يتم من خلاله فرض المشروع الديني الإيراني الذي نرى فصولا منه تتجه للاكتمال في بلدان وتتأهب لبدء فصول جديدة في بلدان أخرى من المنطقة.
نظام ولاية الفقيه، إن لم يحكم قبضته على المنطقة في نهاية المطاف فإنه زائل وساقط، خصوصا ان الذي جرى في العراق من كسر هيبته وإجبار المالكي على التنحي رغم أنف كل المحاولات الملتوية التي بذلها قاسم سليماني، وكذلك رفض مشاركته في الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، جعله يدرك حجمه الحقيقي عندما تصبح اللعبة جدية، ولذلك فإن النظام الإيراني قد تيقن بأنه من دون قوة رادعة سوف لن يكون مصيره أفضل من مصير الكثير من أنظمة المنطقة التي تهاوت بفعل التدخل الغربي بطرق مختلفة، ولذلك فإن طهران ستتمسك ببرنامجها النووي وسوف يكون العمل مركزا ومكثفا فيه خلال الأشهر القادمة كي يحقق هدفه الأساسي الذي يجعل منه كوريا شمالية أخرى في بلعوم الدول الكبرى.
من يتتبع ما يحدث في العراق بشكل خاص، حيث تتحول الميليشيات الشيعية المنتجة من المصانع العقائدية لنظام ولاية الفقيه، وأمام أنظار الرئيس أوباما والغرب كله، الى القوة الأساسية على الأرض، مضافا إليه ما يجري في سوريا من تأسيس جيش عقائدي على غرار الحرس الثوري الإيراني وقوات التعبئة، ناهيك عن دويلة حزب الله في لبنان والتي لها النسخة اللبنانية من الحرس الثوري الإيراني، ومرورا بميليشيا الحوثي والتي هي الأخرى النسخة اليمنية من ذلك الحرس، فإنه من الغباء والسذاجة المطبقة أن يكون هناك انتظار او توقع بأن يضع نظام ولاية الفقيه ذات يوم حدا لتدخلاته هذه من تلقاء نفسه لأن ذلك يعني انهياره وتلاشيه، والأهم والأخطر من ذلك، أن من يتصور بأن نفوذ طهران سوف تقف عند هذا المستوى، لأنها تعرف ان التوقف أيضا في مستوى الانتحار البطيء، ولذلك ليس هنالك من خيار أمامها سوى المضي وعلى دول المنطقة أن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد.
من الممكن أن ينجح رجال الدين في إيران في مساعيهم الى حد التوقيع على اتفاق نهائي بصيغة وسطية ترضي الجميع، لكن من غير الممكن بل وحتى من المستحيل أن يكون هناك تخل عن البرنامج النووي العسكري الذي هو قلب وروح البرنامج النووي الإيراني، ذلك انه من دون السلاح النووي فإن كل المساعي المبذولة في دول المنطقة وكل هذا النفوذ المستشري من جانب نظام ولاية الفقيه، سوف لن يكون سوى بيت عنكبوت، وقطعا فإن طهران لم توصل حدودها الجديدة الى شواطئ البحر المتوسط وتخوم السعودية عبثا ومن دون طائل!. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية