العدد 2602
الأحد 29 نوفمبر 2015
banner
الانتفاضة الثالثة فوق مأزق الخيارات (1) ظافر الخطيب
ظافر الخطيب
الأحد 29 نوفمبر 2015

في الوقت الذي كان فيه العالم منشغلاً ويمارس المزيد من التهميش للشعب الفلسطيني وقضيته، في الوقت الذي كان الواقع الفلسطيني يبدو وكأنه مأسور محاصر بخياراتٍ تضيق، مرتبكاً أمام الانهيارات في المحيط، وكل التوقعات تنحو منحى التشاؤم، جاء الغيث، جاء به فتيان فلسطين، بقبضات تحمل السكين، والحجر، فصار فعل الطعن والدعس والرجم بالحجارة، فعلاً ثورياً يحرك التاريخ ليصنع أفقاً جديداً عنوانه إما فلسطين وإما النار، جيلاً بعد جيل، هكذا تصير الماهيات أكثر انسجاماً مع منطق التاريخ، وعدالة الثورة أكثر إنصافاً وعدالة من كل المنظمات الدولية.
هبة أم انتفاضة، أم مجرد فورة ناتجة عن فعل احتقان متراكم منذ وقع المتنفذون عقد (أوسلو المشؤوم). جدال استهلك الكثير من الوقت لكنه كان بعيداً عن السياقين التاريخي والموضوعي العام، الحالة المتشابكة على المستوى العالمي بتمظهرها الإقليمي والوطني أربكت الوعي فصار كل شيء بلا نهاية أو غير قابل للتصديق.
حقيقتان أفرزهما السياقان التاريخي والموضوعي، الأولى أن الصراع مع العدو غير قابل للاختزال لا عبر أوسلو ولا عبر حل الدولتين، وعليه يمكن الاستنتاج أن الانتفاضات المتواترة عبر الزمن، ما هي إلا تأكيد تاريخي يفيد معنى واحدا، حتميا ونهائيا، أن الشعب الفلسطيني عصيٌ على الكسر، وأن حل الدولتين هو حل غير واقعي وغير ممكن، حتى ولو اشتغلت فيه كل ماكينة الغرب مجتمعة، حتى ولو قدم العرب كل التسهيلات الممكنة، يمكن وضع الانتفاضتين الأولى والثانية، كأمثلة على هذه القناعة. أما في السياق الثاني(الموضوعي)، فلا يمكن وضع هذه الحركة (الانتفاضة الثالثة)، بعيدا عن الاشتباك والتشابك الذي يعيشه النظام العالمي حيث يفترض أن تؤدي إلى إعادة إنتاج النظام العالمي الجديد، بهذا تكون الحالة الراهنة في فلسطين حركة تاريخية. وهو ما يعني حكماً أنها تحمل في داخلها إرهاصات حركة تغيير ثورية لو أنها امتلكت عوامل الإدارة، الإرادة، الإسناد، وهو ما يلقي على البعد الفلسطيني امتلاك روح المغامرة بالتحليل ومن ثم الانتقال إلى صياغة برنامج مهمات واستراتيجية مواجهة طويلة الأمد، كما يتطلب من القوى الصديقة اعتبار إسناد الانتفاضة وقواها المحركة كمهمة استراتيجية رئيسية.
إن حركة الشباب الفلسطيني واشتباكه اليومي على كل جبهات المواجهة جاءت في توقيت عبقري مبدع دون أن يكون لأحدٍ الفضل في التخطيط لها أو في تحديد توقيت انفجارها. ميزة هذه الحركة النوعية التي رسمها المشهد الفلسطيني في مداه فوق الأرض الفلسطينية أنها وضعت كل الأسئلة المصيرية أمام امتحان الجواب، من أوسلو إلى المفاوضات كخيار وحيد، من الحل المرحلي إلى التاريخي، إلى دولتين لشعبين، إلى فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة.
 كان الوضع الفلسطيني بتعبيراته المختلفة يسير في خطه البياني نحو الانحدار، من انقسام عامودي وأفقي إلى مناطق جغرافية منقسمة ومقسمة، من قضية واحدة إلى قضايا تختلف باختلاف الجغرافيا السياسية، إلى مرجعيات ترتهن لخيارات وتوازنات إقليمية ودولية، إلى تراجع الاهتمام الدولي والانهيارات التي قصفت الجغرافيا العربية وأعادتها إلى عهود بائدة، وهي أوضاع كان يستغلها العدو لمصلحة تغيير الوقائع الميدانية من خلال مصادرة الأراضي، بناء المستوطنات وتهويد الأرض الفلسطينية والمزيد من التضييق على جماهير شعبنا الفلسطيني.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .