العدد 2785
الإثنين 30 مايو 2016
banner
روسيا وأمن الخليج العربي عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الإثنين 30 مايو 2016

 عقد الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي بين روسيا الاتحادية وأقطار مجلس التعاون في الخليج العربي في يوم الخميس بتاريخ 26 مايو 2016م في مدينة موسكو. وتمت مناقشة العديد من المواضيع السياسية والاقتصادية التي اتضحت بين ثناياها الاتفاقات والاختلافات بين الجانب الروسي وأقطار الخليج العربي، ومن بين الملفات التي تمت مناقشتها الملف الليبي والعراقي واليمني بجانب الملف السوري والإيراني. هناك نقاط التقاء في هذه الملفات بين الجانبين تحتاج إلى بحث مستمر ولقاءات متجددة أخرى لمناقشة هذه القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها الإرهاب والأمن والتدخلات الإيرانية المستمرة في شؤون أقطار الخليج العربي.
ومما أكد عليه المجتمعون في هذا الاجتماع على ضرورة التزام إيران بمبادئ حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سلامة الأراضي وعدم استخدام القوة أو التهديد بها بما يتفق مع القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والترحيب بالتعاون العربي الأميركي الروسي لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي. والعمل الجاد على تحقيق وقف العمليات العسكرية في سوريا واليمن ودعم الجهود الدولية في ذلك باتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية دائمة وشاملة للصراع العسكري والسياسي والطائفي بما يحقق الأمن والسلام في ربوع المنطقة العربية، وجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، والالتزام بالقرارات ذات الصلة الصادرة من مجلس الأمن الدولي، داعين إلى أهمية تفعيل الحوار بين الحضارات كضرورة استراتيجية تهدف إلى تكريس مبادئ الاحترام المتبادل بين الحضارات ومواجهة التطرف والعنف في العالم، وإلى تعزيز العلاقات بين روسيا الاتحادية وأقطار الخليج العربي في كل المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية.
إن الزيارة التاريخية التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله في سبتمبر 2003م عندما (كان وليًا للعهد) أعطت الضوء الأخضر للتوجه الروسي الفاعل نحو أقطار الخليج العربي، تلتها زيارة الرئيس الروسي فلادمير بوتين في فبراير 2007م تلتها زيارات إلى أقطار خليجية أخرى عززت من المكانة السياسية والاقتصادية لروسيا في المنطقة والحد من الهيمنة الأميركية المتفردة عليها، ولتأخذ دورًا مشاركًا لتحقيق المعادلة الأمنية، إذ إن أمن منطقة الخليج العربي جزء لا يتجزأ من الأمن والاستقرار الدولي. وعكس مشروع “المنظومة الأمنية الخليجية” التي سبق أن طرحتها روسيا عام 2001م على أقطار الخليج العربي والعراق وإيران اهتمامًا استثنائيًا بالخليج العربي إلا أن أحداث سبتمبر حالت دون استمرار بحثها. كما أكدت زيارة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد لروسيا الاتحادية في فبراير 2016م صدق التوجه لبناء علاقات متميزة وتطويرها في كل المجالات لتساهم في مجملها في حفظ أمن واستقرار المنطقة الخليجية والعربية والعالم.
وتسعى أقطار الخليج العربي إلى إقامة علاقات متميزة مع روسيا الاتحادية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والسياحية وأن تتطابق وجهات النظر في ظل مناخ من الثقة والتفاهم حول مختلف القضايا. إلا أن ما يُعكر هذا المناخ التحالف (الروسي السوري الإيراني) الذي لا يتوافق مع مسار العلاقات الخليجية الروسية، فروسيا وقعت في خطأ سياسي عندما أيدت نظام الأسد ووقفت مع الجانب الإيراني في دعم الأسد. إن أقطار مجلس التعاون لا تتعارض مع التوجه الروسي في بناء علاقات سياسية واقتصادية متينة وصحيحة، ولكن لا يجب أن تكون على حساب سيادتها وأمنها، بل من أجل توفير الأمن والاستقرار للمنطقة الخليجية وبما يتوافق مع بناء مفاهيم جديدة لقضية التوازن الاستراتيجي في الخليج العربي. لذا فإن التقارب الروسي الإيراني باتجاهاته الطائفية ورغبته في الهيمنة على منطقة الخليج العربي ودعمه الاضطرابات والقلاقل الطائفية والحوثيين وإدارة الشأن العراقي من طهران في مجملها تمثل عقبات ومعوقات للتقارب الخليجي الروسي، فتقارب روسيا مع النظام الإيراني وتشاركهما معًا في دعم النظام السوري عسكريًا ودعم ملفها النووي يجعل روسيا شريكًا استراتيجيًا للنظام الإيراني، وداعمًا لسياسته على حساب أمن وسلامة أقطار الخليج العربي. إن الاندماج الروسي في كل تفاصيل الملفات الإيرانية التي تقلق أمن وسلامة واستقرار أقطار الخليج العربي يخلق مصاعب واقعية أمام أية مسيرة لعلاقات روسية خليجية متعمقة وذات جدوى فعلية، ولا يجعل من روسيا ووزير خارجيتها وسيطًا جادًا وحقيقيًا لحل الخلافات الإيرانية مع أقطار الخليج العربي، فالنظام الإيراني ذو جنوح توسعي استراتيجي ويسعى لامتلاك سلاح نووي نوعي، وقائم على أسس طائفية، فهذه أسس لنظام يصعب التحاور معه سلميًا، ولا يسعى إلى بناء أية علاقات جادة مع جيرانه من العرب. فيجب على الوسيط بين الحق والباطل أن يكون متوازنًا ولا يعمل لمصلحة آخر على حساب الآخر، وعندما قال وزير الخارجية الروسي إنه على استعداد ليكون وسيطًا لحل الخلاف الخليجي الإيراني فهو اما أن يكون مُجاملاً للحاضرين أو أن يكون غير واع لحقيقة النظام الإيراني وأهدافه التوسعية في منطقة الخليج العربي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .