العدد 2510
السبت 29 أغسطس 2015
banner
أزمة نفايات أم أزمة سياسات؟ عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
السبت 29 أغسطس 2015

لبنان القطر العربي الشقيق، وردة الأمة العربية، وساحة السياحة العربية ومزار العاشقين، وموطن المفكرين ومرجعية الباحثين، تنهض جماهيره اليوم بحثًا عن الخلاص من أتباع الطائفية والفساد، ترجو النهاية من ألم السنين، ومن الذين جعلوا لبنان مخزنًا للأسلحة وأوكارًا للفتنة. جماهير بيروت وضواحيها نهضت ضد النفايات التي فاحت روائحها وروائح سياسييها قبلاً، والتي صادرت حق اللبنانيين في العيش في بيئة صحية وسياسية نظيفة، ضد أولئك الذين جعلوا هذه النفايات تتراكم في أماكنها ساعة بعد ساعة ويومًا بعد يوم. أما الأحزاب السياسية والسياسيون فقد استخدموا قضية النفايات وجعلوا منها مادة للتراشق السياسي والطائفي والمذهبي بين حزبٍ وآخر، بين سياسي وآخر، وبقت جماهير بيروت وحدها دون السياسيين وأحزابها تتلقى الضربات التي جرحت الكثير.
لبنان العريق في الثقافة والفكر هو البلد الوحيد في العالم الذي لا رئيس له، فقد بقي المقعد الرئاسي الأول شاغرًا منذ أن استقال الرئيس “ميشال سليمان” في منتصف ليل 25 مايو 2014م، وهو الرئيس الثاني عشر بعد الاستقلال، وهي من المشاكل السياسية التي تعصف بلبنان، حيث فشل المجلس النيابي اللبناني للمرة السابعة والعشرين في انتخاب الرئيس الثالث عشر للبنان، بجانب مشكلة سلاح حزب الله والكهرباء والماء، القانون الانتخابي والمشاكل الأخرى. الأزمات التي يعيشها لبنان وشعبه نتاج تراكم مشاكل الحُكم والنظام اللبناني، ومنذُ أن وُجد لبنان وُجدت معه معاناة اللبنانيين، فظل لبنان وشعبه أسير المشاكل، وأسير الأحزاب السياسية والسياسيين الذين يتلاعبون بقدر لبنان ومقدرات شعبه.
أحزاب سياسية وسياسيون يُنددون بالحُكم الطائفي، ولكنهم يعيشون بفضل نظام المحاصصة الطائفية، يتفقون على أن هناك العديد من المشاكل ولكنهم لا يتفقون على حلها، كل حزب يُناهض حلول الحزب الآخر، فالأحزاب السياسية وسياسيوها لا يُريدون حلولاً لمشاكل لبنان لأن هذه المشاكل تمدهم بالبقاء أسيادًا، أحزاب وسياسيون يؤمنون بالتغيير وتملأ وسائل الإعلام تصريحاتهم بضرورة التغيير، ولكن التغيير الذي لا يُغير من وسائل سيادتهم على لبنان وقراره والتحكم بشعبه، وتغيير لا يُقلل من مكاسب أحزابهم. فمشكلة لبنان اليوم والأمس وفي الغد لن تكون أزمة النفايات بل هي أزمة سياسات، فهناك طبقة سياسية لبنانية تتحكم بزمام الأمور، حيث ينصبون أنفسهم مسؤولين ومؤتمنين على لبنان وشعبه وأمنه، والحقيقة أنهم مسؤولين عن أمنهم وأوضاعهم وعن أموالهم، وما يغضب لبنان وشعبه هو الطائفية التي تحكمه منذ بداية التاريخ اللبناني، فنظامه السياسي وبموجب قانون الانتخاب اللبناني مبني على الطائفية والعصبية التي انعكست على واقع الحياة اليومية للبنان.
لبنان فريسة لتقسيمات طائفية، وطريدة لمصالح أحزابه السياسية، سياسيون ينتخبون لا حسب كفاءتهم بل حسب طوائفهم وانتماءاتهم، وهُم لا يقدمون أي شيء للبنان وشعبه، ومع ذلك يتجدد الخطأ مرة ومرتين بانتخابهم ليتجدد العبث بلبنان وشعبه. وما يزيد من أوجاع اللبنانيين احتكار الاقتصاديين من تجار وملاك للسلع الذين يرفعون الأسعار كالمساكن والطعام والألبسة والمحروقات والأقساط المدرسية، حيث حلَّ لبنان في المرتبة الأولى من بين (14) دولة عربية من حيث غلاء الأسعار. إن المشاكل التي يعيشها لبنان سببها الأساسي الأحزاب السياسية والسياسيون، فبوجودهم في المجتمع اللبناني لن تحل مشاكله، وما أزمة النفايات إلا جزء من هذه المشاكل المُستعصية التي يصعب حلها بوجود هذه الأحزاب وسياسييها، فهؤلاء يرون لبنان نبعا خُصص لهم وحدهم، وبستانا يملكونه يقطفون منه ما يشاءون دون غيرهم.
كنا نأمل أن ينجو لبنان من شرارات حرائق دمشق والأقطار العربية، ولكن الحرائق احتاجت إلى مسافات أكثر، فكان لبنان أقربها، حيث جعل حزب الله من أبناء لبنان وقودًا لمعارك سوريا، وبأكفان إيرانية، كنا نأمل أن يُصيف العرب ومحبو لبنان على أراضيها، وكنا نأمل أن تقوم الدولة بمشاركة الأحزاب السياسية وسياسييها بتنظيف بيروت وضواحيها من نفايات الماضي والحاضر، لخلق مستقبل لبناني مُشرق للبنان وشعبه، ولكن من أين للبنان ذلك، وقد غدر به الأهل قبل الأعداء، وتباعد عنه الأقارب وجعلوه فريسة للعقارب. وجماهير لبنان التي خرجت لتقول لا للنفايات، قادرة بإذن الله أن تضع الأحزاب السياسية والسياسيين في مكب النفايات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية