العدد 2386
الإثنين 27 أبريل 2015
banner
التعليم لا يحتاج إلى المال فقط عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الإثنين 27 أبريل 2015

تنهض الأمم وتتطور بالتعليم والعلم، وتصل بعض ميزانيات الدول المهتمة بالتعليم إلى 25 % من ميزانيتها المالية. والتعليم هو النفط الآخر الذي لا ينضب معينه ومنبعه، فمتى ما اهتمت البلاد بتعليم أبنائها تعليمًا صحيحًا ستكون ثماره طيبًا عليهم وعلى بلادهم. ولابد أن يرتفع مخصص التعليم المالي أكثر من مخصصات القطاعات الأخرى، فالارتفاع المستمر في إعداد المدارس والمتعلمين والمعلمين يحتاج إلى تكلفة مضافة ومضاعفة سنويًا، فبجانب رواتب العاملين في الحقل التعليمي هناك الكثير من الحاجات التي تنقص المدارس التي تعمل الجهات المعنية في وزارة التربية والتعليم على توفيرها بما تمكنها إمكانياتها المادية من تحقيق ذلك.
ولكن هل يتطور ويتقدم التعليم بالمال فقط؟ فالتعليم في البحرين بدأ في عام 1902م والرسمي في عام 1919م ومع ذلك بقيت البحرين من الدول النامية التي تتطور ببطء، وفي دول أخرى سبقناها بالتعليم وسبقتنا هي بالتطور، لماذا؟ وكيف حدث ذلك؟ تلك الدول استخدمت التعليم استخدامًا صحيحًا، ووضعت مناهج ومواد دراسية تفاعلت مع مسار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، لذلك حصل طلبتها على مخزون من القدرة على الإبداع الذي تفاعل مع مكونات سوقها الاقتصادية، فارتفع نتاجها القومي ونمت اقتصاديًا، وهذا بسبب ربط التكنولوجيا الصحيحة بالتعليم، والاتصال المستمر بمكونات العِلم الحديث، وتحديث البرامج الدراسية التي يُشارك في إعدادها المعلمون. بينما مناهجنا الدراسية مازالت تنحو للماضي من جغرافيا وتاريخ ومجالات لا تسمن ولا تغني، فالمؤسسات التجارية وحتى الرسمية عندما تختبر الطلبة المتقدمين للوظائف لا يتم سؤالهم عن المتنبي ولا عن الجغرافيا ولا التاريخ، المادتان الأساسيتان اللغة الإنجليزية والرياضيات لا غير. لذلك فالكثير من الطلاب يرسبون حتى في الانتساب إلى الجامعات البحرينية بسبب ضعفهم في هاتين المادتين.
إذا بمؤازرة هذا الإنفاق الحكومي على التعليم والتدريب، يجب أن تعزز الوزارة من تدريس هاتين المادتين، من خلال إيجاد معلمين قادرين على توصيل المعلومة أكثر للطلبة باستخدام التكنولوجيا في التعليم، زيادة حصص تعليم هاتين المادتين وتقنين حصص المواد الأخرى، ما ضرر أن تصل حصص تدريس مادتي الرياضيات والإنجليزي إلى عشرين حصة لكل مادة وتخصيص حصة واحدة لمواد اللغة العربية والمواد الاجتماعية، أو لماذا لا يتم إلغاء تدريس مواد المجالات العملية التي لا يستفيد منها الطلبة أولاً، وتمثل هدرًا ماليًا ثانيًا، وضياعًا للوقت التعليمي في المدارس ثالثًا؟ واستبدالها بحصص للتعليم في مادتي الرياضيات والإنجليزي. والدليل على ضعف معظم الطلبة في مادتي الرياضيات والإنجليزي هو لجوء الكثير من الأسر إلى المعاهد العلمية التجارية لتعليم أبنائهم الطلبة وأخذ دروس التقوية، وهو استثمار مربح لأصحاب المعاهد التجارية، هذا الاستثمار الذي لم تتقن أداءه مدارس وزارة التربية والتعليم.
إن قطاع التربية والتعليم سواء في مملكة البحرين أو في أي بلد آخر يستحق من الدولة ومؤسساتها اهتماما بالغا، فالتعليم الركيزة الأساسية والأولى للتنمية، كونه يُمثل البداية الحقيقية للاستثمار في رأس المال البشري، فمهما كانت الأموال التي تنفقها الدولة على التعليم لن يكون النتاج طيبًا إن لم يكن هناك تحسن في طرق التعليم، والاختيار الأنسب للطاقم التعليمي، والتطوير المستمر لمناهج التعليم مع مشاركة حقيقية من أصحاب الخبرة والتخصص من المعلمين والمعلمات في إعداد وتطوير المناهج التعليمية، وهذا يتطلب التركيز على المواد التعليمية التي تساهم في رفد التنمية الاقتصادية وتطوير البلاد، واستبعاد المواد الدخيلة على التعليم البحريني كمواد المجالات التي يُصرف عليها الكثير من المال بدون أية عوائد تعليمية ومنفعية.
إن إنفاق المبالغ المالية ليس وحده كافيًا لضمان تحقيق التنمية المنشودة للبحرين، فمن تجارب العديد من الدول النامية ثبت أنه يتم إنفاق أموال هائلة لتكريس تعليم متخلف لا يصنع تنمية حقيقية، وثبتت حقيقة أخرى وهي أن العائد المالي التنموي من الاستثمار في التعليم ليس مرتفعًا في جميع الحالات غير أن التوسع غير المناسب في التعليم قد يؤدي إلى رفع معدل البطالة بين المواطنين وإلى عدد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. لذلك نحن نتمنى ومعنا القائمون على تنفيذ السياسة التعليمية الوطنية في مملكة البحرين أن تكون هناك ميزانية مناسبة للتعليم ورؤية تعليمية تكنولوجية تواكب تقدم مستوى مخرجات التعليم والتدريب من خلال تحسين المناهج التعليمية والتدريبية، ولا ضرر من الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة التي حققت نتائج تنموية كبيرة بسبب التعليم مثل تجربة سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها من الدول الأخرى. فبين مسيرتنا التعليمية والواقع الذي نعيشه يتضح لنا أن هناك حاجة كبيرة إلى تطوير التعليم بصورة أفضل بأكثر مما ننفقه من المال عليه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية