العدد 2332
الأربعاء 04 مارس 2015
banner
إلى متى سنعتمد على النفط؟ عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الأربعاء 04 مارس 2015

يُعتبر النفط المصدر الأساسي للإيرادات المالية للدول المنتجة والمصدرة للنفط، وعلى الأخص أقطار الخليج العربي، وتتأثر ارتفاع إيراداتها وتنخفض بارتفاع سعر النفط أو انخفاضه. واليوم مع التراجع المستمر لأسعار النفط فأمام الدول المنتجة والمصدرة للنفط خيارات اقتصادية من أجل تعديل مسار ماليتها العامة، والتي تتطلب تعديلا في مسار تنميتها الاقتصادية. واليوم أيضًا أمام المملكة هذا الخيار الذي لا ثاني له ولا ثالث، الخيار هو أن تبحث لها عن مساند للإيرادات المالية.
فإلى متى سنعتمد على النفط؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب بداية إجراء تعديلات على تغييرات على الهيكل الاقتصادي للدولة، وهذه التعديلات والتغييرات تأتي بسلاسة في مختلف البلدان النفطية. فأقطار الخليج العربي ومنذ فترة طويلة ومع اكتشاف حقول النفط اتكلت في إيراداتها جملة وتفصيلا على النفط، وأصبح بذلك النفط هو المكون الأساسي والوحيد والسيادي لاقتصادها، وقد تصل نسبته ما بين (90 ـ 100 %) من الإيرادات الإجمالية للخزينة العامة، وارتفعت هذه الإيرادات من المئات من ملايين الدولارات في سنوات الخمسينات والستينات، ووصلت إلى البلايين من الدولارات بعد الطفرة النفطية في عام 1974م، وفي السنوات الأخيرة وصلت الإيرادات إلى أكثر من نصف تريليون دولار. وتم توظيف الفوائض المالية في استثمارات متنوعة والتوظيف وتوفير الرعاية من صحة وتعليم، وفي دعم السلع والسكن وغير ذلك من النفقات العامة المجانية التي توفرها لمواطنيها، إضافة لدعمها للنشاطات الاقتصادية في القطاع الخاص. والآن وبعد هذا الانخفاض المدوي لأسعار النفط، هل يمكن للبحرين وغيرها من أقطار الخليج العربي أن تستمر في هذا الدعم والإنفاق المجاني للخدمات العامة؟ ومع اعتماد هذه الأقطار على النفط إلا أن الدول المستهلكة تحت قيادة منظمة الطاقة الدولية تعمل على اتخاذ تدابير اقتصادية مهمة لمواجهة ارتفاع أسعار النفط، ومنها ترشيد الاستهلاك وتحسين التكنولوجيا، الأمر الذي يؤدي إلى خفض الطلب على النفط وتدني أسعاره.
وحتى لا تنحصر البحرين وشقيقاتها في أقطار الخليج العربي بين انخفاض أسعار النفط وارتفاعه ثم انخفاضه ثانية يتعين عليها أن تبحث عن حلول للتكيف مع الإيرادات النفطية، وهذا الأمر يتطلب من الدولة عدة أمور، من بينها مراجعة جادة لآليات الإنفاق العام، وضرورة ترشيده، وتعزيز دور القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية. مع تبني برامج للإصلاح الاقتصادي وتطوير الموارد البشرية الوطنية وصياغة برامج تعليم ملائمة للتنمية البشرية وتطبيقها، وكذلك الأمر يتطلب تنفيذ المشاريع التي تتفق مع متطلبات الجدوى الاقتصادية ومعاييرها.
ونتساءل عند أي سعر نفطي تستطيع أقطار الخليج العربي أن تتوافق مع عدم تراجع برامجها الاقتصادية والاجتماعية؟ فهل ستستطيع أن تنفذ برامجها مع هذه التداعيات السعرية للنفط؟ أم هذه التداعيات ستقف وسيتم تجاوزها ليستقر سعر النفط عند حد معقول ومطمئن للجميع؟ ونرجو أن لا يستمر هذا التراجع لئلا يصل سعر برميل النفط إلى مستويات تقل كثيرًا عن قدرة بعض أقطار الخليج العربي على احتمالها، مما يضطرها إلى اللجوء للسحب من الصناديق السيادية، أو اللجوء لحلول اقتصادية أخرى يتحمل تبعاتها المواطنون، على سبيل المثال لا الحصر، زيادة أسعار الكهرباء وتخفيض الدعم على بعض السلع والخدمات أو فرض ضرائب مالية على دخل المواطنين. ولكن هذه إذا صارت فإنها حلول جزئية وليست جذرية، فالمطلوب هو حلول جذرية تتفق مع مفاهيم التنمية الاقتصادية المستدامة، كتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على عوائد النفط، خصوصا أن بعض الأقطار يعاني مواطنوها من انخفاض في مستوى الدخل وتفشي أزمة البطالة الظاهرة والمقنعة بين مواطنيها.
أقطار الخليج العربي لديها الكثير من الأموال في الخارج، ولكن معظمها ليست سائلة ولا يمكن سحبها بأية كميات مطلوبة، فهذه الأموال الخليجية معظمها مستثمرة في شركات غربية، وفي بورصات عالمية، لها قوانينها وقيودها في الإيداع والسحب. ومع انخفاض أسعار النفط قامت دول بزيادة كمية إنتاجها من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من العوائد المالية لتعويض خسارتها في الانخفاض. البعض يعتقد أن هناك “مؤامرة” تسببت في انخفاض أسعار النفط إلا أن وزير النفط السعودي نفى وجود نظرية المؤامرة في كلمة ألقاها في مؤتمر الطاقة الذي عقد مؤخرًا في مدينة أبوظبي، وقال إن القرارات النفطية السعودية مبنية على “أسس اقتصادية”. لا شك أن قرار تخفيض أسعار النفط وانخفاض العائد المالي منه يرتد سلبًا على أقطار الخليج العربي اقتصاديًا واجتماعيًا، في الوقت الذي يجب أن يعم خيره على هذه الأقطار وشعبها وتحسين مستواهم المعيشي الذي يعاني الكثير منهم من المشاكل الاقتصادية، فإلى متى سنعتمد على النفط كمصدر لإيراداتنا؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .