العدد 2329
الأحد 01 مارس 2015
banner
الفن يُحارب الإرهاب عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الأحد 01 مارس 2015

في أمسية من أمسيات مركز “الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث” الجميلة استضاف بيت (عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحافي) رنا النجار، في أمسية فنية سياسية بعنوان “الفن والسياسة بين الربيع العربي والجماعات المتطرفة”، حضرتها نخبة متميزة من أفراد المجتمع البحريني الرسمي والأهلي. أطلت المحاضرة بحديثها الهادئ والموجوع بأشجانه وأحداثه على ما يشهده العالم خصوصا الوطن العربي من أحداث مأساوية متمثلة في إرهاب داعش والمنظمات المتأسلمة وغير المتأسلمة بكل ما يحمله الإرهاب من عدوان ومآس، وتداعياته على الأرض العربية والإنسان العربي، وبينت المحاضرة في حديثها الإرهاب الذي لم يُفرق بين الإنسان العربي والآخر، بين الأرض العربية وغيرها، فهذا الوحش الكاسر أينما حلَّ فاسمه واحد هو الإرهاب، سواء في العراق أم في أقطار الخليج العربي، في لبنان وسوريا واليمن وليبيا، وفي فرنسا وفي أي مكان في العالم هو ذاته الإرهاب.
من خلال مشاهد عرضتها المحاضرة على المتواجدين في صالة تراثية أبدع مهندسها في صياغة بنائها ورسم ديكورها، مشاهد تحدثت عن هذا الإرهاب والمآسي التي حصلت لضحاياه من ذبحوا وجرحوا ومَن سبوا كعبيد عرضوا في سوق النخاسة للبيع أو للزواج قسرًا من عناصر الإرهاب. في هذه الأشكال الفنية تعانقت ريشة الفنان مع الألم، واصطبغت اللوحات بلون الدم المتناثر من أبدان ضحايا سيوف ومناجل الإرهابيين. لم تكن بين هؤلاء الضحايا والإرهابيين أية علاقة أو معرفة سابقة أو ثأر، وثأر الإرهابيين الوحيد هو مع الإنسانية وما يحمله الإنسان من الصفات الإنسانية التي يفتقد إليها الإرهابيون.
الفن من رسم وتصوير يتفق مع الجميع بأن الإرهاب ليس ظاهرة استثنائية وعارضة بل هو معنا أينما كنا ونكون ونتوجه وفي أي مكان نعيش. ومع تنوع أشكاله العنيفة إلا أنه ليس من المستحيل القضاء عليه لو تضافرت جهود الإنسانية. من خلال الأشكال التي عرضتها المحاضرة تبين للجميع أن القلم والريشة والبندقية ترفض الإرهاب وتحاربه، فالقلم في يد الكاتب والريشة بين أنامل الفنان كالبندقية في يد الجندي في المعركة ضد الإرهاب، تعددت أساليب مقاومته ومحاربته والهدف واحد. ولكي تفتك بعدوك عليك أن تعرفه وتكشف مناطق قوته وضعفه وتجعل الجميع يراها، وهذا ما يحدث عندما يرصد الفنان تداعيات الإرهاب ويحولها إلى لوحة فنية لتكون شاهدة على وحشية الإرهابيين وكشف غطائهم المتستر خلف الدين.
إن دور الفنان لا يختلف عن دور أي فرد في المجتمع في الدفاع عن البلاد وحمايتها ومواجهة من يسيئون إليها، لما للفن بجميع أنواعه من قدرة كبيرة على التواصل وتوجيه الرسائل الإيجابية إلى المجتمع ومحاربة السلبيات وظاهرة الإرهاب. المتعصبون المتشددون يرون أن الفن حرام لكنهم لم يحرموا القتل والظلم والإرهاب الذي يمارسونه بدون خجل ولا استحياء باسم الدين. لذا فمسؤولية الفنان لا تقل عن مسؤولية أي مواطن أو مؤسسة قادرة على الدفاع عن البلاد وكشف أباطيل ومفاسد الإرهابيين، فالفنانون بما يرسمونه من لوحات فنية يقفون صفًا واحدًا من أجل تخليص العباد من الإرهاب.
الرسالة التي وجهتها المحاضرة إلى الحضور وإلى كل الناس أن الفن الأصيل والإرهاب لا يلتقيان، فالجمهور لا يستحسن عمل الإرهابي ولا يُصفق له، بينما يستحسن التذوق الفني فيما يُقدمه الفنان ويُصفق له بكل عواطفه الصادقة، لكون الإنسان الأصيل يعشق الإبداع والجمال، فنحن أمة تعشق الفن وترفض الإرهاب والفساد والظلم. فالمشاهد التي عرضتها المحاضرة وتلطخت بدم الضحايا الأبرياء هي تمثل وثيقة إدانة للإرهابيين وصرخة رفض في وجوههم، وتقول لهم أنتم لستم منا، فالفرق بيننا وبينكم أيها الإرهابيون أننا وطنيون نحب أوطاننا ونعمرها وأنتم لا تحبونها وتدمرونها، نعمرها من أجل أن يعيش الإنسان حياة عز وكرامة، وأنتم تقتلون الإنسان وتسلبون منه الحياة التي وهبها الله له. هم ليسوا منا لكونهم يختلفون عنا في كل شيء صحيح وسليم، ولأنهم لا يستطيعوا العيش مثلنا فينتقمون منا بقتلنا، فهم في خلاف مع ذاتهم ومع عقائدهم ومع مَن خلقهم.
إن الرسالة التي أرادتها المحاضرة وصلت إلى وجدان الحاضرين وإلى أبناء الأمة، فنماذج الأشكال التي عرضتها استطاعت أن تقول نيابة عن ضحايا الإرهاب، بأي ذنبٍ قتلنا؟ رسومات وأشكال ستحكي للأجيال القادمة كيف عشنا لفترة تاريخية مظلمة مع مَن لا يملكون العقل ولا الضمير ولا الإنسانية. وبقوة ما نتوجع من آلامنا نتوجه بذات القوة إلى خالقنا بأن يخلصنا من هذا الكابوس الأسود، ولكن الدعاء لا يكفي إن لم نملك القوة والقدرة على الدفاع عن أنفسنا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .