العدد 2261
الثلاثاء 23 ديسمبر 2014
banner
الأثر الاقتصادي لتراجع السعر النفطي عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الثلاثاء 23 ديسمبر 2014

مع توالي الأزمات على الوطن العربي شهدت أسعار النفط تراجعًا شديدًا خلال الفترة الأخيرة، فسعر البرميل وصل إلى (66) دولارا، وهذا الانخفاض لم يشفع لبعض الدول المنتجة ومنظمة أوبك على خفض الإنتاج لإيقاف انهيار سعره ولإعادة التوازن إلى سوق النفط، في الوقت الذي يشهد العالم فيه حربًا ضروسًا ضد الإرهاب الداعشي وما تبتغيه هذه الحرب من نفقات وأموال لهذه الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية.
 فهل يهدف هذا الانخفاض إلى استنزاف ما تبقى من موارد أقطار الخليج العربي النفطية؟ أم إن الأمر مرتبط بالعقوبات ضد روسيا؟؟ أم إنه حرب نفطية بين المعسكر الأميركي السعودي والمعسكر الروسي الإيراني؟
 إن هذا الانخفاض قد أحدث خسائر مالية في الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على هذه السلعة الإستراتيجية. ويُقّدَر خبراء النفط بأن الخسارة الروسية ستصل إلى (100) مليار دولار سنويًا إضافة إلى الخسائر الأخرى بسبب العقوبات الدولية، وانهيار عملتها النقدية “الروبل”.
وسيكون لهذا الانخفاض أثر غير محمود على اقتصاديات أقطار الخليج العربي خصوصا أن ميزانياتها المالية قد اعتمدت على سعر أعلى من (66) مليون دولار بكثير. وهذا الانخفاض يُثير الأسئلة عن أسبابه وعوامله، ويلقي بظله على الكثير من التداعيات الاقتصادية والإستراتيجية للأقطار المنتجة للنفط، وتبلغ نسبة انخفاضه (40 %) عن أسعار عام 2012م.
وترجع أسباب هذا الانخفاض إلى تضافر عوامل عدة في وقت واحد، منها تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بشكل كبير، وزيادة الإمدادات النفطية من مناطق عدة، وبالذات من المناطق ذات التكلفة العالية من خارج دول منظمة أوبك، كزيادة الإنتاج النفطي للولايات المتحدة الأميركية وذلك بعد التوسعات في النفط الصخري في ولاياتها الشمالية، وإلى نمو السوق السوداء لتجارة النفط، حيث تبيع إيران إنتاجها النفطي في السوق السوداء للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها، وسيطرة التنظيمات الإرهابية المتأسلمة على الحقول النفطية في بعض الأقطار العربية (سوريا والعراق) وبيع منتوجها النفطي في السوق السوداء والاعتماد عليه كمصدر من مصادر تمويل أنشطتها الإرهابية، والدور السلبي الذي يلعبه المضاربون في السوق النفطية مما يتسبب في انخفاض الأسعار؛ من أجل تحقيق عوائد مالية لهم.
كما أن أسعار النفط تتأثر بالأوضاع والتهديدات الأمنية في الشرق الأوسط، وتباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط بشكل أكبر مما كان متوقعاً.
وتعتبر أقطار الخليج العربي هي المتضررة الأساسية من انخفاض أسعار النفط، فخسارة الرياض تصل إلى (350) مليون دولار يوميًا مع فقد (40 %) من إيراداتها، الكويت (50) مليون دولار يوميًا، وهي قادرة على تحمل هذه الخسائر بسبب ما تملكه من احتياطيات نقدية لمدة ليست بالطويلة. والمنامة ومسقط هما الأكثر تضررًا من هذا الانخفاض بسبب ضآلة مواردهما النفطية واحتياطاتهم النقدية، وكذلك ليبيا والعراق وإيران.
 ومن آثار هذا الانخفاض الترشيد في الدعم الحكومي وتقليل الإنفاق على البنية التحتية، وتقوم بعض الدول بالسحب من استثماراتها الخارجية لتعويض ما خسرته من الإيرادات النفطية. إن الدول المستوردة للنفط هي الدول المستفيدة من هذا الانخفاض، خصوصا واشنطن والصين ودول جنوب شرق آسيا ومصر والمغرب والأردن التي شرعت أكثرها في تخزين احتياطيات نفطية لرخص سعره، فانخفاض أسعاره تؤدي إلى تخفيف الضغوط على موازنات هذه الدول، كما يؤدي إلى تخفيض تكلفة الإنتاج والنقل بالنسبة للكثير من السلع. كما أن لهذا الانخفاض أثرٌ كبير على الموازنة المالية للدول المنتجة والمصدرة له، ولتفادي العجز في الموازنة والحساب الجاري يحتاج العراق إلى سعر (110) دولارات، السعودية (104)، الإمارات (81) وإيران إلى (130) دولارا. وان الذي سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على النفط وانخفاض كمية الإنتاج التي ستؤدي إلى زيادة أسعاره وتحقيق التوازن مرة أخرى.
نتمنى أن يكون ما يواجهه العالم اليوم من تراجع في أسعار النفط مجرد حالة مؤقتة وعابرة، على أمل بأن الاقتصاد الخليجي والعربي والعالمي يُحقق النمو مُجددًا، والزيادة المضطردة في زيادة الطلب على النفط، مما يؤدي إلى إعادة التوازن إلى السوق كما كان وأحسن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .