العدد 2256
الخميس 18 ديسمبر 2014
banner
العرب وإيران.. إلى أين؟ (2 - 2) عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الخميس 18 ديسمبر 2014

لقد عمل النظام الإيراني منذ استلامه السلطة بقوة وبفعالية على توظيف كل ما يَمتلك من الأوراق الإقليمية التي منحته نفوذًا وتأثيرًا حقيقيًا في مختلف الملفات الإقليمية وفي سائر القضايا في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي فقدت فيه الأنظمة العربية الكثير من المشاريع السياسية وتفككت العديد من التحالفات البينية، وبخاصة منظمة “جامعة الدول العربية” التي انتكس دورها وثبت عجزها في تحقيق أهدافها، وتسير من سيئ إلى أسوأ، إضافة إلى المنظمات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التي تصدأت وفقدت أسباب وجودها.
فاليوم النظام الإيراني يستخدم نظرية النظام الأمريكي نفسها في البحث عن حكومات داعمة لأهدافه في المنطقة العربية، فالنظام الأمريكي يبحث عن الديمقراطيين والنظام الإيراني يعطي الولاية والقيادة في الأقطار العربية للطائفيين، كما فعل ويفعل في عدد من الأقطار العربية، فمبادئه وآرائه تسير في لبنان عن طريق حزب الله اللبناني، وفي العراق لابد وأن تكون الحكومة العراقية بقيادة حزب الدعوة وكذلك نائب الرئيس وقيادات الأمن العسكري (الداخلية والدفاع) أحدهم من هذا الحزب والآخر من الحزب الطائفي الآخر، وفي اليمن يحتل الحوثيون جزءًا كبيرًا من العاصمة اليمنية ويأتمرون بأمر طهران، وقواته تحارب بجانب الجيش السوري، في الوقت الذي مازالت إيران تحتل إقليم الأحواز العربي منذ عام 1925م والجزر العربية الثلاث منذ عام 1971م، ومازالت بين فنية وأخرى تطالب بالأراضي البحرينية. ويأتي هدف هذا كله من تحقيق الحُلم الإمبراطوري الفارسي المُمتد من “الفرات حتى مياه الخليج العربي”، وهو يتفق مع شعار العدو الصهيوني من “نهر الفرات حتى نهر النيل”، فالأول هدفه تفريس المنطقة العربية، والثانية صهينتها.
إن العدو الصهيوني في الوسط العربي وإيران في شرقه يُحققان الأهداف الأمريكية، وتتلاقي واشنطن وطهران وتل أبيب في العمل ضد المصالح العربية وقهرها، فإيران تحتل جزءًا من الأراضي العربية كالعدو الصهيوني، وتمارس إيران القتل المُمَنهج ضد الشعب العربي الأحوازي والعراقي كما يفعل العدو الصهيوني في فلسطين، وأمريكا تمد العرب بالأسلحة لا لكي يُدافعوا عن أنفسهم، بل ليتقاتلوا وعلى سبيل المثال. السودان والإخوان المسلمون والسوريون والحوثيون، وإيران تمد بعض العرب الأسلحة لكي يتقاتلوا وعلى سبيل المثال. حماس والإخوان المسلمون والحوثيون والسوريون. فأين تكمن العداوة بين واشنطن وطهران؟ كيف يكونون أعداءً وهم متفقون على العرب وقتلهم؟
ورقة أخرى يلعب بها النظام الإيراني ألا وهي القضية الفلسطينية، وإيران تستخدم هذه الورقة لأسباب سياسية وليست دينية ولا عقائدية، بل بناء على حسابات الأمن القومي الإيراني وأهدافه، فبعد محاولات إيرانية يائسة لاحتواء منظمة التحرير الفلسطينية قامت بتأسيس منظمة “حماس” ومدتها بما تحتاجه من المال والعتاد، هل هذا من أجل تحرير فلسطين؟ أم من أجل تفتيت القضايا العربية؟ فهل حماس قامت بمحاربة العدو الصهيوني وتحرير أراضي فلسطين؟ أم إنها قامت وبأوامر من طهران وبالاتفاق مع العدو الصهيوني باحتلال قطاع غزة المُحتلة؟ هذا الفعل الحماسي الإيراني الصهيوني أدى إلى زرع فتيل النزاعات الفلسطينية، في الوقت الذي ناهضت فيه إيران الأقطار العربية التي وقعت اتفاقات السلام مع العدو الصهيوني!
أين العرب من الممارسات السياسية والعسكرية الإيرانية في أقطارنا العربية السابقة منها واللاحقة؟ فهل الدور الإيراني في منطقتنا العربية يُمثل إضافة أو انتقاص من الدور العربي وقضاياه القومية؟ إن أي مُمارسة إيرانية كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية تمثل انتقاص من الدور العربي وقضاياه القومية، ويُمثل تدخلا سافرا في شؤون العرب القومية، ويُضعف كثيرًا من الأمن القومي العربي. ولا يجدر بأقطارنا العربية وحكوماته وقياداته السياسية أن تذعن أو تخاف من أي ممارسة إيرانية، فأطماع إيران كثيرة ولن تنتهي إلا بابتلاع الجزيرة العربية، فمطامعها ليست بإسلامية ولا بشيعية، بل إنها مطامع فارسية تستهدف القضاء على الهوية العربية في منطقة الخليج العربي، وما حدث ويحدث لإقليم الأحواز العربي نموذج للاحتلال الإيراني. وما يحدث بين واشنطن وطهران هو صراع وتنافس حول المصالح في منطقة الخليج العربي وفي المنطقة العربية.
والآن ماذا يمكن للعرب أن يفعلوا أمام تزايد المصالح الإيرانية ونفوذها في منطقتنا؟ فلدى إيران العديد من الأوراق التي استخدمتها وتستخدمها لخلق بيئة إقليمية مؤتية أكثر لمصالحها السياسية والمذهبية، فكيف يستطيع العرب أن يصونوا أقطارهم من السياسة الإيرانية؟ وكيف يمكنهم أن يُحافظوا على هويتهم العربية؟ العرب لا يملكون القوة ولا يسمح لهم الغرب بامتلاكها، لديهم النفط، لكن لا يملكون مفاتيح استخدامه، لديهم الأموال وأكثرها في مصارف الغرب ومؤسساته المالية، ماذا نملك لنحافظ على أنفسنا وعلى عروبتنا وعلى ما تبقى من ثرواتنا؟ كيف سنحمي شعبنا أمام كل هذه التهديدات التي لا ولن تنتهي؟ وهل سننتظر حتى نرى عِراقًا آخر يُحتل باسم التحرير والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .