العدد 2201
الجمعة 24 أكتوبر 2014
banner
من دروس الهجرة النبوية عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الجمعة 24 أكتوبر 2014

تجلت عظمة الهجرة النبوية المباركة في عظمة قيادتها النبوية في التخطيط والتنفيذ لعملية الهجرة من جانب وإحباط مُخططات أعداء الرسول ورسالته ومن آمن به من جانب آخر. وكانت الهجرة امتحانا إيمانيا عظيما لتصفية ما علِقَ بالدين والمؤمنين من الشوائب التي عُلقت منذ فجر التبليغ الرسالي. واليوم العالم الإسلامي يحتفل بالذكرى 1436 عامًا من هجرة الرسول، يحتفل بذكرى اتحاد رؤية رسول الله والذين آمنوا معه والتي تبلورت في صف إيماني صلب وقوي اتحدت فيه الإرادة الإيمانية وعشق التضحية والفداء من أجل هذا الإيمان والدين الجديد ونبيه “صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم”.
لم تكن الهجرة مجرد رحلة أرضية من مكة إلى المدينة ولم تكن هروبًا من الموت ورغبة في الحياة، بل كانت أكثر أهمية من ذلك، لقد تجلت هذه الهجرة في دروسٍ عظيمة ومعان وأمان جليلة، ومنها التلبية الإيمانية للهجرة، وترك المال والعيال والدار من أجل أن يستقيم هذا الدين الجديد، فغادر المهاجرون ديارهم وتركوا من خلفهم أولادهم وزوجاتهم وكل ما يمتلكون من متاع الدنيا من أجل تلبية نداء الهجرة مع رسول الله، وكان امتحانًا صعبًا على هؤلاء الذين خيروا أنفسهم بين حياتهم وأموالهم وأهليهم وبين الولاء لرسول الله والانتماء للدين الجديد، وكان الخيار الثاني هو الأجلُ والأفضل من الخيار الأول.
 ولم يخرج المهاجرون من قريش خوفًا على حياتهم من العذاب القرشي أو الموت، فهم لا يبحثون عن حياة الجسد الهالك بقدر ما كانوا يأملون في البقاء أحياء نقاء، فبقاؤهم أحياء هو إحياء للدين، فهم بذرته الأولى وأساسه المتين، وموتهم نهاية لهم وفناء لدينهم، فكان بقاؤهم في قريش أحياء بدون دين، فكان خيارهم الحياة من أجل الدين، فهاجروا وحفظوا حياتهم وصانوا دينهم.
والتنافس بين المؤمنين الأوائل، على من يُقدم أكثر من ماله في سبيل الهجرة، ومساعدة مَن لا يستطيع تحمل أعباء الهجرة، فتجلت عظمة الهجرة في عظمة المواقف الإيمانية في أيهم يُلبي نداء الهجرة أولاً وأيهم يُقدم أكثر مالاً، غير آسفين، وبالرضا الإلهي والثواب طامعين.
وكانت التضحية بالنفس حُبًا في رسول الله وولاءً للدين الجديد، فكان نوم الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” على فراش رسول الله تجسيدًا لمفهوم التضحية، فقد وضع جسده وروحه فداءً لنبيه الكريم وابن عمه، تضحية لم تكن سهلة ويسيرة بل كانت صعبة وخطيرة، إذ كان ينتظر سيوفًا تنقض عليه فاتكة ظنًا منها أن النائم في الفراش هو رسول الله. على ذاك السرير لم يكن الإمام علي خائفًا على نفسه أو متحسرًا على حياته، بل كانت تلك الليلة من أجمل وأفضل الليالي التي عاشها الإمام، وكان صاحب رسول الله الخليفة أبوبكر الصديق “رضي الله عنه” أول من صحب النبي في هجرته، وفي الغار قال لصاحبه “لا تخف فإن الله معنا”، بهذه الكلمات النورانية طمأن نبي الله صاحبه في الهجرة عندما اقتربت أقدام المشركين من منفذ “غار ثور”، فانتصر الإيمان ونسيج العنكبوت الواهن على السيوف المصقولة التي أخرجت من أغمادها لتفتك بالدين الجديد وبنبيه وبأصحابه “رضوان الله عليهم”.
وتطوعت السيدة “أسماء بنت أبي بكر” بترتيب التموين الغذائي لموكب الهجرة يشد أزرها في ذلك الإيمان والبطولة التي اجتثت كل خوف من البطش القرشي للدين الجديد ولنبيه ولمن آمن به.
هذه بعض الدروس الإيمانية والحياتية التي يجب أن نستفيد منها من ملحمة الهجرة النبوية المباركة التي اختيرت كبداية لتدوين التاريخ العربي والإسلامي الحافل بالبطولات والأمجاد التي سطرها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها. فنحن اليوم بحاجة إلى هجرة أخرى، هجرة تخرجنا من الضعف إلى القوة، هجرة تخرجنا من انكسارنا وهزائمنا إلى هجرة تحقق لنا الانتصار على عدونا، هجرة تخرجنا من نفق الظلمات إلى معالم النور، هجرة تجمعنا لا تفرقنا، هجرة تغنينا وتجتث فقرنا، هجرة تبعد عنا الاضطهاد لتعيشنا في العدل والمساواة، هجرة تبعد عن الحروب والاقتتال وترفد علينا السلام والأمن والاستقرار، هجرة تبعد عنا الكراهية والتبعية والذل والهوان. نتمنى أن يتحقق لنا في عامنا الهجري الجديد 1436هـ ما لم يتحقق لنا في الأعوام السابقة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .