العدد 2551
الجمعة 09 أكتوبر 2015
banner
عندما تقتحم “الهستيريا الجماعية” معارض الثقافة من أجل “سيلفي”! فاتن حمزة
فاتن حمزة
رؤيا مغايرة
الجمعة 09 أكتوبر 2015

يقام حالياً على أرض مملكة البحرين معرض الأيام للكتاب، والذي حظي بحضور حاشد من داخل وخارج المملكة، معرض انقسمت فيه المستويات الفكرية والإبداعية بين متفوق ومتوسط وركيك، تصنيفات نجدها في كل معارض الكتاب في العالم، إلا أن الظاهرة الغريبة التي تستحق منا وقفة في معارض هذه الأيام هي التحول الغريب في الذوق العام الذي قلب الموازين والمفاهيم الثقافية، من خلال ميول فئة ليست قليلة تجاه الصنف الركيك!
انتكاسة فكرية بدأت تغزو مرتادي المعارض لتحفز من انتشار أدمغة هابطة كان من المفترض أن تملي صفحاتها ابداعات فكرية تخطها بأقلام نيرة عوضاً عن خربشات وطلاسم تنحدر بفكر قارئها!
للأسف ظهرت في مجتمعاتنا وسائل ترويجية للأفكار والشخوص أساء البعض استخدامها، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان لها دور في بناء قاعدة جماهيرية لشواذ صنعوا منهم أبطالا ونجوما بواسطة تخدير العقول وخطف القلوب، واستلاب النفوس بمظاهر شكلية ومثاليات من ورق، تنشر يومياتها لباسها تسريحاتها لتخلق لها متابعين أصيبوا بالهوس، “هستيريا جماعية” تعبث في قيمنا ومبادئنا وثقافتنا وما هي إلا جنون يغذي حاجة فطرية تتجاوز الواقع الدنيوي، وتتصادم مع فرضيات وضوابط انعكست بالسلب على مجتمعنا !
وما يحدث في معارض الكتب الحديثة من مبالغات في الإعجاب ببعض الكتاب الهابطين وفقدان بعض المراهقات اتزانهن وحيائهن بالتعبير عن إعجابهن بجري وصراخ يسد نواقصهن وفراغهن، ما هو إلا اعوجاج فكري وانعكاس لواقع مرير وثمرات أيام وشهور من متابعة في وسائل التواصل ليوميات فارغة، حركت بهن دوافع فضولية وغرائزية جرتهن لمواقعها لتشاهد الركيك والهابط منها لأخذ “سيلفي” وطلب توقيع على كتاب مضامينه خاوية مخجلة مسيئة لثقافتنا وفكر أبنائنا، وأكاد أجزم أن جُل هؤلاء الهمج لم يسمعوا بالكاتب من قبل، ومن اقتنى كتابه لن يقرأه، ويقيناً أن شعارهم كان “حشراً مع الناس عيد”!!.
للأسف ثقافتنا أصابها الداء، وشفاؤها من نقاء بعض العقول من شوائب وترسبات راكمتها الأيام، قطيع مسيرة تصطنع الثقافة وتجهل أبسط مفاهيمها.
الثقافة أسمى وأعظم من جهلاء تزاحم عقلاء بكتابة صفحات غير نافعة حتى أن ترمى في حاويات المهملات كونها ملوث بيئي قبل أن يكون فكريا!.
لنرتقي بذواتنا وأذواقنا وفكرنا، ولنوثق من هم أهل لهذه المكانة ولنعبر بإعجاب راق متزن ما سطرته الأقلام، ولا نكون سبباً لاختلالها برفع الطالح وتدمير الصالح والانتقاص من شأنه، وصدق فيهم قول الإمام الشافعي:
تموت الأسد في الغابات جوعاً.. ولحم الضأن تأكله الكلاب
وذو جهل قد ينام على حرير.. وذو علم مفارشه التراب.
لا نكن سبباً لضرب القيم والمُعتقدات بالترويج لها، فنحن جميعاً مشتركون في بقائها أو محوها، ومسؤولون عن عواقب دعمها، ومحاسبون أمام الله بتعظيمها فهي جرم وتحريض على التردي الفكري والفسق والانحلال، فلنحاربها بالوعي والحكمة ولنخرسها بانتقادها ولومها بدل متابعتها والتصفيق لهلوساتها !.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية