العدد 2549
الأربعاء 07 أكتوبر 2015
banner
الشروط الاستباقية لقبول القرارات التقشفية! فاتن حمزة
فاتن حمزة
رؤيا مغايرة
الأربعاء 07 أكتوبر 2015

الوضع لا يقبل مجاملات وكتابة سطور مبهمة المفهوم أو استبدال المقاصد بنقط، نحن بحاجة لملء العبارات بمفاهيمها وتوضيح الأمور بواقعية، فحال البلاد اليوم يتطلب مصارحة ومناصحة وآذانا صاغية وضمائر صاحية.
فلا يوجد وقت للتصفيق تأييداً لقرارات إرضاء لأحد، وأية قرارات تضييقية على الشعب، تتطلب مخاطبته وطمأنة بسطائه بشفافية وافية في الطرح، فهي المسؤولة عن أي لغط يحصل لعدم نزولها الشارع، وتوضيحها بدقة تُهدئ مخاوفه نحو سيره للمجهول، على الدولة انتهاج سياسة جديدة من حيث المصارحة في حالات الترقيع والمعالجات، فلا مبررات للصمت إلا أن تكون مقصودة لإشغال الشارع عن قرارات اتخذت أو ستُتخذ قريباً !
بما أن قرار رفع الدعم عن اللحوم حديث التنفيذ لا يمكننا أن نجزم ما سيترتب عليه اقتصادياً وسياسياً، لكن من ناحية اجتماعية فهناك بوادر ومؤشرات مخيفة، خصوصاً في ظل ما نشهده من اضرابات القصابين ودعوات بعض المواطنين لمقاطعة بعض السلع، وفوضى في الأسعار مع غياب رقابة حقيقية من إدارة حماية المستهلك على المحال والمطاعم وباعة اللحوم.
القرار ترك أعباء كبيرة على المواطن ومخاوف من أن يسبب اختلالا في الموازنة بين بعض الموارد والمتطلبات المعيشية، وأن تساهم الضغوط المادية في تحويل مطالب شرائح في المجتمع من اقتصادية إلى سياسية تدخلنا في دوامة من الصراعات التقسيمية والفتن المطفشة للمستثمرين ورجال الأعمال، فتزيد اقتصادنا تدهوراً وسوءاً “وكأنك يا بوزيد ماغزيت”!.
كي يستكمل أي قرار، طريقه نحو النجاح، يجب أن يقاس بنظرة أكثر شمولية تضم كل فئات المجتمع، “فالرضى والاستقرار والقناعة” نتائج لها “شروط استباقية”، تتطلب جهودا حكومية تمهد الطريق وتهيئ الظروف الملائمة المراعية عند تنفيذه كل طبقات المجتمع، وبالأخص المتوسطة والفقيرة منها، لنحقق كفاءة اقتصادية  يعقبها أمان اجتماعي إنساني وهو من أهم أسباب تفوق الشعوب لما له من تأثيرات فعلية مباشرة فكرياً دينياً وسياسيا.
إن ما أثار جدل المواطنين تجاه قرار رفع الدعم عن اللحوم سرعة تنفيذه دون البحث عن بدائل يكون تأثيرها أقل ضرراً على حياته المعيشية، كرفع الدعم عن الغاز أو الكهرباء وغيرها من سلع وخدمات عن الأجانب التي ستوفر أضعاف ما سيوفره رفع الدعم عن اللحوم وغيره من حلول.
للأسف أصبحنا نواجه بانفراد متطلباتنا بعد أن شهدت الساحة ضمورا في العضلات النيابية وعجزها أمام القرارات، شمرت ذراعها وصرحت مراراً بتصريحات استعراضية وجهود منفردة وها هي تحقق نتائج مخجلة مضاربة للإرادة الشعبية! لو افترضنا أن قرار رفع الدعم عن اللحوم أو غيره صائب ومحقق للتوازن الذي تطمح إليه الدولة، ومعالج حقيقي لعجز الميزانية، لماذا تنفرد فيه وتقره دون إشراك العامة بتفاصيله، لماذا لا تجيب على تساؤلات قد تخلق شائكة تضاعف حجم الشائعات التي يستغلها الطامع والحاقد لتحقيق مآربه، لماذا لا تطلعه على تأثيرات القرار “المباشرة وغير المباشرة” بنشر خطة مدروسة يفهمها ويستوعبها ليبني عليها حساباته التي تتناسب مع مدخوله.
من قلب غيور ومحب اوجه كلمات أتمنى أن تصل إلى المعنيين، مهما كانت حدة القرارات التقشفية المتخذة ومهما كانت تأثيراتها السلبية، ومهما اختلفنا على شكل الدعم وأساليبه، سيقبلها المواطن أو يتقبلها إن استطاعت الدولة كسب ثقته التي تتمثل في المصارحة والتقارب والعطاء وقت الرخاء، ومراعاة الأولويات في الصرف دون تمييز، ومحاسبة السراق. لنستخلص المفهوم في هذه الكلمات، عندما يداعب الأب أو تداعب الأم أطفالها وتعلقهم من باب المزاح بوضعيات ترعبهم وتهددهم بالسقوط، لا نرى منهم غير ابتسامة عريضة وضحكة وسعادة كبيرة رغم خطورة الموقف على سلامتهم، كل ذلك بسبب الأمان والحب والثقة والاطمئنان لأياديهم الحانية.  هذا التقارب الذي تطالب به الشعوب كي تتقبل بكل رحابة صدر وطيب نفس المشاركة في ما يقود الوطن لبر الأمان.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .