العدد 2453
الجمعة 03 يوليو 2015
banner
الوليد... “يا عرب” هل من مزيد؟ فاتن حمزة
فاتن حمزة
رؤيا مغايرة
الجمعة 03 يوليو 2015



أصدر الأمير “الوليد بن طلال” يوم الأربعاء بياناً جاء مفصلاً لإعلانه التبرع بمبلغ 32 مليار دولار يمثل كامل ثروته للأعمال الخيرية والإنسانية في المملكة ودول العالم خلال السنوات المقبلة، موضحاً أن ما أقدم عليه يأتي تنفيذاً لحلم راوده منذ شبابه للقضاء على قلة ذات اليد في المجتمع المحلي والدولي وللحد من الفقراء والمحتاجين.
يبدو أن “الوليد بن طلال” ينوي السير على خطى الرئيس التنفيذي لشركة أبل “تيم كوك”، ومؤسس مايكروسوفت “بيل غيتس” في تبرعه بثروته للأعمال الخيرية التي تبلغ 31 مليار دولار.
التبرع بالثروات أصبح ظاهرة جديدة تفَّوق الغرب فيها رغم أن الكرم من شيم العرب وخصلة من أهم خصال ديننا الحنيف، الأهم هل هي ظاهرة سخاء نابعة عن إحساس صادق ومبادرة تهدف لتطبيق توازن فطري سوي لفعل الخير، أم اسلوب مغاير يختصر طريق الشهرة وكسب الإعجاب، وقد تكون عدوى تنافسية على لقب أكبر متبرع خصوصاً بعد نشر بعض المجلات والصحف تصنيفا يظهر فيه أسماء الأثرياء الأكثر تبرعاً على مستوى العالم، وكما يقول المثل: “الصيت ولا الغنى”!
يعيش كثير من الأغنياء في بحبوحة العيش، تقودهم أهواؤهم وملذاتهم لتحصرهم في دائرة البطش والجشع، فيعيشون في رغد يشغلهم عن المجتمع ويلهيهم عن صرخات المحرومين، ورغم ذلك نجد بينهم نماذج مشرفة تؤكد لنا أن الدنيا لا تزال بخير.
إن مبادرة الوليد بن طلال التاريخية، ستكون بداية استباقية تحفيزية مشرقة نترقب بعدها اللاحق، فلا خير في مجتمع يهفكر أفراده أموالهم دون استيعاب الثقافة التبادلية للقضايا والهموم، والشعور بالمسؤولية المجتمعية بتقديم شراكة حقيقية داعمة ينتفع منها من هم فعلاً بحاجة لها.
نذكركم بالصحابي الجليل “عثمان بن عفان” رضي الله عنه الذي كان رغم اشتهاره بالغنى والثروة والمال الوفير، قد اشتهر بالزهد في متاع الدنيا وزينتها، يطعم الناس طعامه، ويدخل إلى بيته يأكل الخل والزيت..
ليت كل أثريائنا يقتدون من النفحة العثمانية حيث الكرم الأخلاقي والمادي، وأن يسيروا على نهجه لينصلح حال الأمة.
شكرا من القلب للأمير “الوليد بن طلال”، الذي يمتلك دهاءً نادراً يفتقده الكثير من الحكام والأثرياء حول العالم، فالكثير منهم يعتقد أن الهيبة تكمن في السلطة والنفوذ وجمع الثروات، مكتفين بالتباهي بأرقام خيالية يسمع عنها الفقراء ولا يرون منها ما يسد جوعهم.
لقد أدرك “الوليد” بفضل دهائه قيمة السمعة الطيبة في الحياة، كما أثبت حرصه على ترك أثر طيب لا ينقطع ذكراه حتى بعد الممات، ليت كل الأثرياء يدركون أن الأعمال الإنسانية ودفع البلاء عن المحتاجين الثروة الحقيقية الخالدة، فعطاء الحاكم والثري هو الذي سيخلد، ودعوة من فقير قد تنجيه من عذاب يوم الحساب. نأمل أن تستثمر أموال “الوليد” فعلاً في الخير وأن يعاد النظر في بعض القنوات التلفزيونية التابعة، والتي لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، وأن توضع استراتيجيات وتقنيات توفر حلولا لم تجرؤ دول القيام بها، نأمل أن لا تُستغل ثروته على العطاء المادي فقط ومنح المساعدات للفقراء كمتسولين، بل أن تعمل مؤسسته على عطاءات مدروسة تصنع أفرادا منتجين يسهمون في تطوير المجتمع وإبراز طاقاته وتوريثها للأجيال القادمة. نتمنى أن تفتح مبادرة “الوليد” آذان عباد المال ومحتكري قوت العباد شحًّا وجشعًا، وتوقظ بواعث الرحمة والإحسان بالفقراء والمساكين. وسنبقى في انتظار من يحذو حذوه، اليوم الوليد.. فياعرب هل من مزيد؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية