العدد 2512
الإثنين 31 أغسطس 2015
banner
منتجع.. “سيئ السمعة”! فؤاد الهاشم
فؤاد الهاشم
علامة تعجب!
الإثنين 31 أغسطس 2015


اسمه “كامب - ديفيد”. له سمعة سيئة في العالم العربي، وكان المرحوم “القذافي” يسميه “إسطبل - داوود”! إنه منتجع يقع في مناطق ساحرة وخلابة في جبل اسمه “كاكوتين” بولاية “ماريلاند” الأميركية ويبعد مسافة مئة كيلومتر عن المدخل الرئيس للبيت الأبيض في العاصمة واشنطن! مساحته حوالي 200 فدان، والفدان حوالي أربعة آلاف متر، أي ما يعادل مساحة مزرعة “متروسة ذبان” في الوفرة جنوب الكويت - مع الفارق بالطبع - ومصنفة (هذه المزرعة) كقاعدة عسكرية تديرها القوات البحرية للولايات المتحدة الأميركية ووكالة المخابرات المركزية! أي أن العمالة التي تم توظيفها بالداخل هم جنود ومجندات القوات المسلحة، وهي ليست مفتوحة لعامة الناس، بل لا يتم وضعها على خارطة الولاية من الأساس كإجراء أمني، ومخصصة - فقط - للرئيس وزوجته وأولاده وضيوفهم.. فقط لا غير!
 الرئيس الأسبق “فرانكلين روزفلت” أطلق عليه اسم “شانغري” وهو اسم “الجنة” التي تخيلها الكاتب البريطاني “جيمس هيلتون” في روايته الشهيرة “الأفق المفقود”، لكن الرئيس الذي جاء بعد ذلك وهو “دوايت - إيزنهاور” هو من أطلق عليه اسم “كامب - ديفيد” تيمنا باسم حفيده “ديفيد”.
وقد أبلغني أحد الزملاء المصريين المخضرمين الذين كانوا مع الوفد الرسمي للرئيس الراحل أنور السادات في العام 1979 أثناء مفاوضات السلام مع الإسرائيليين داخل هذا المنتجع “أنه مكان كالخيال، يصلح لقضاء شهر عسل وليس للحديث مع يهود”!
 هذا المكان الساحر يتضمن مكتبا للرئاسة وأجنحة لإقامة الضيوف وحمام سباحة وقاعة اجتماعات واسطبلات خيل، أما من يعشقون رياضة المشي، فسوف لن ينسوا على الإطلاق السير بين أشجار الصنوبر والسرو الباسقة وسماع صوت خرير المياه بين الصخور دون رؤيتها!
السماء التي تقع فوق هذا المكان محمية بقوة اسمها “دلتا” هي ذاتها من تحمي سماء البيت الأبيض، وقد حدث في العام 2011 أن ضل قائد طائرة صغيرة طريقه ودخل أجواء المنتجع، فخرج له سرب من سلاح الجو الأميركي يكفي لتدمير البصرة والناصرية والحلة.. لاعتراضه وإبلاغه بأن ذلك “عيب وما يصير واستح على ويهك”!
 قلنا في البداية إنه له “سمعة سيئة” هذا المنتجع في العالم العربي، وليس لأنه “مكان للدعارة” كما يعتقد عدد من المحامين القطريين والكويتيين في قضايا رفعوها ضدي لأنهم لا يفهمون “السمعة السيئة إلا.. بالنسوان”، بل لأن اتفاقية السلام الشهيرة بين مصر وإسرائيل وبرعاية أميركية تم التوقيع عليها بداخله بين الراحل السادات والراحل مناحيم بيغن - رئيس وزراء إسرائيل وبحضور ومباركة الرئيس الأميركي الأسبق - والذي مازال حيا يرزق - “جيمي كارتر”!
جراء ذلك الاتفاق، انفجر الغضب العربي في كل مكان واتهم “السادات” بأنه باع قضية فلسطين، فظهر ما يسمى بـ “جبهة الصمود والتصدي” التي تكونت من: “اليمن الديمقراطي الجنوبي، والعراق وليبيا والجزائر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية”، وأسرع صدام حسين لعقد قمة عربية في بغداد لبحث تداعيات هذا الأمر، وبضغوطات منه قطعت كل الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر.. باستثناء سلطنة عمان التي رفعت علمها على كل سفارات وقنصليات مصر في العالم العربي باعتبارها “راعية للمصالح المصرية”. وكذلك، جرى في القمة نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وتغيير الأمين العام من مصري إلى.. تونسي! بعد أكثر من 35 سنة على توقيع اتفاقية السلام المسماة بـ “كامب - ديفيد” بين مصر وإسرائيل وهي مثار جدل و”حمالة أسية” في العالم العربي، هناك من يرى أنها مزقت الأمة وأخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وسمحت بغزو لبنان عام 1982 وأعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الأول و..!
لكن.. في الجانب الأخر، يرى أصحاب نصف “الكأس الممتلئ” أنه لولا “كامب ديفيد”، لكانت صحراء سيناء الآن والتي تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة الكويت، ترفرف فوقها الأعلام البيضاء والزرقاء ويعيش أهلها تحت ظل احتلال، الله وحده يعلم متى.. سيزول!
ولكي تعرفوا قيمة صحراء سيناء بالنسبة لليهود، عودوا إلى التاريخ البعيد وحكاية “التيه والضياع” التي عاشوها لأربعين سنة فوق رمالها، وكيف بكى جنود الدولة العبرية - كالنساء - وهم ينزلون علمهم ويهدمون المستوطنة الوحيدة التي بنوها وكان اسمها “ياميت” فسخر منهم المصريون وأسموها.. “ياميت - ندامة”، حين غادروها عقب الاتفاق! اجتمع الرئيس الأميركي “باراك أوباما” مع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي في منتجع “كامب - ديفيد”؛ للتباحث والتشاور حول أمن الخليج والشرق الأوسط برمته، وما بين “كامب - ديفيد الأول”، و”كامب - ديفيد” الثاني يبقى السؤال: هل سيشق الثاني صف الأمة العربية والإسلامية مثل الأول، أم إنه سيخيطها ويلأم جراحا عديدة تفتحت علينا منذ الخامس من يونيو عام 1967.. وإلى يومنا هذا؟!

آخر العمود:
في العام 1992، أقامت “دورثي جورج بوش - الأب” حفل زفافها في منتجع “كامب ديفيد” لتكون أول عروس تتهادى بفستانها الأبيض داخل هذا المكان الجميل منذ إنشائه قبل أكثر من 80 سنة! “يالله من فضلك” وليس في صالة “أبو جسوم” للأفراح والليالي.. الملاح!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .