العدد 2414
الإثنين 25 مايو 2015
banner
“واسكب على الأرض دواء .. الجهول”!! فؤاد الهاشم
فؤاد الهاشم
علامة تعجب!
الإثنين 25 مايو 2015


من المدارس العريقة التي يستطيع المرء أن يتعلم منها الدروس والعبر والحكم مدرسة “روزنامة العجيري” والتي يصدرها الدكتور الفلكي الكبير الأستاذ “صالح العجيري”!! اسمه بالكامل هو “صالح محمد صالح عبدالعزيز العجيري”، من مواليد 23 يونيو عام 1920، له كتاب مهم بعنوان: “هل البروج ثلاثة عشر”؟ تعتبر رزونامته الشهيرة التي يصدرها كل عام “جامعة علوم مصغرة” بما تحتويه من معلومات وأشعار وحكم وبلاغة! قد لا يعلم الكثير من القراء أنه أنهى الآن إعداد وطباعة روزنامة عام 2018 - ونحن ما زلنا في منتصف عام 2015 - وحدد فيها بكل دقة - كعادته - مواعيد دخول شهر رمضان ورؤية الهلال، والتي كثيرًا ما ترفض حكومتنا الرشيدة الالتزام بها، ثم تكتشف - لاحقا - أنه على صواب وهي على.. خطأ، بدليل أن أهل الكويت يتذكرون جيدا كيف أن “الديرة أفطرت” بعد صيام إلى منتصف النهار في عام 1977، أو قبل ذلك بقليل حين اكتشفت أنه “عيد الفطر” وأن “رمضان” قد انتهى يوم.. أمس!! الدكتور “بومحمد” رجل فيلسوف وساخر وله “طلعات عجيبة”، منها أنه صرح ذات يوم بأن “طقم الأسنان” الذي قام بتركيبه أخيرًا يستخدمه عند الضرورة لـ “حك ظهره”! وقبل حوالي ثلاثين سنة، كنت أتناول معه سحور رمضان في ديوانية الراحل “برجس حمود البرجس” في منطقة الشويخ، ويتكون من.. “محمر دبس ومرق خباط مالح”! ومن تعليقاته الطريفة بعد تناول هذه الوجبة إنه يقول: “من شدة وكثرة وقوة الدبس، فإن النمل يسير ورائي حتى البيت”!! حين أرسله والده وهو صغير إلى قبيلة “الرشايدة” الكريمة في بر “رحية” جنوب غرب الجهراء لتعلم الرماية والفروسية والحياة الصحراوية، كان يعشق تأمل السماء خلال الليل وتبهره أعداد النجوم وتشكيلاتها في بداية مبكرة لعشقه لعلم الفلك مما دفعه للذهاب إلى مصر - أرض العلوم - والدراسة في جامعة “الملك فؤاد الأول”، والتي تخرج منها عام 1946!! تزوج وهو في سن العشرين ورزقه الله بابنة واحدة وأربعة أولاد ذكور لم يهتم أحدهم بالفلك إلا أصغرهم “جمال”!! أول تقويم أراد طبعه كان في بداية الأربعينات، ولم يكن في الكويت مطبعة فقرر التوجه إلى بغداد حيث قيل له إن تكلفتها 20 دينارًا عراقيًا لم يكن يملك ربعها، فتبرع له المرحوم مساعد الصالح بخمسة دنانير، والمرحوم “عبدالعزيز العلي العبد الوهاب” بخمسة دنانير، وتبرعت دائرة المعارف بخمسة دنانير، لكنه لم يستطع أن يحصل علي الخمسة دنانير الرابعة.. فتوقف المشروع! حين تقرأ في “روزنامة العجيري” إن.. “اليوم يكثر النمل” فتأكد أن “النمل” سيكثر خلال أقل من ساعة حولك! وعندما يقول - في بداية مطلع أيام الصيف - “يستلذ بشرب الماء البارد” ، فتأكد أنك لن تستلذ بشرب الماء في ذلك اليوم إلا.. باردا!! من أبيات الشعر الجميلة التي ينشرها في أوراق روزنامته واحدة تقول: “ألا قل لمن كان لي حاسدًا/ أتدري على من أسأت الأدب؟ / أسأت على الله في فعله/ لأنك لم ترضَ ليْ ما وهب” وهي للإمام الشافعي طيب الله ثراه! وأيضا، نشر هذا الشعر الجميل الذي يقول: “إذا ما رأيت فتى ماجدا/ فكن بابنه سيئ الاعتقاد/ فلا المجد يورث من والد/ ولا تورث النار إلا الرماد”! ويكتب في ورقة يوم آخر جديد هذا الشعر الذي يقول: “ما أن دعاني الهوى لفاحشة/ إلا عصاه الحياء والكرم/ فلا إلى حرمة مددت يدي/ ولا مشت بي لريبة.. قدم”! والدكتور “العجيري” يبحر في داخل محيطات الشعر ويغوص في أعماق الشعراء من كل الملل والنحل والحضارات عبر التاريخ فينتقي الأجمل والأحكم لينشرها في الروزنامة، ومنها هذا البيت الجميل للشاعر الفارسي القديم “عمر الخيام” الذي يقول فيه: “عاشر من الناس كبار العقول/ وجانب الجهال أهل الفضول/ واشرب نقيع السم من عاقل/ واسكب على الأرض دواء .. الجهول”!! أطال الله في عمره وجلعنا ننهل من علمه، هذا الرجل السمح الكريم والعالم الجليل “صالح محمد صالح عبدالعزيز العجيري”!
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية