حين اختصر الكاتب البريطاني “برناردر شو” حال الدنيا بأسرها ومنذ بدء الخليقة الى يوم أن نطق بها للعالم “العالم مثل لحيتي الكثيفة وصلعتي اللامعة، غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع!!” انها نظرية شبيهة بالمستحدثة لاحقا وهي “الهوّة السحيقة بين الشمال الغني والجنوب الفقير”!!
بعيدًا عن السياسة وأكثر بعدًا - كذلك عن الاقتصاد، بأننا نتحدث الآن عن شهر الصوم الكريم الذي نقوم بتحويله الى شهر الشبع والتخمة الزائدة بسبب التهافت المحرم من شرار المواد الغذائية واللحوم والطيور والأسماك والحلويات و”البقلاوات” و”الكنافات” و”زنود الستات”، وكأن نهاية العالم وبدء المجاعة - آتية لا ريب فيها خلال أيام!!!
نشاهد عبر الشاشات الفضائيات صور الجوعى في الصومال والسودان وبوتسوانا وأفريقيا الوسطى وغيرها، بينما العالم العربي على وجه الخصوص والإسلامي عموما تنتشر فيه الشركات التي تعلن عن “طعام الحمية” والمصانع التي تريد تسويق بضائعها من حبوب تخسيس والتنحيف!!! الجوعى في تلك العوالم الفقيرة يبحثون عن أطباء يعطونهم حبوب - فيتامينات مغذية تسد رمقهم، بينما نبحث عن أطباء “شفط دهوننا”، وإزالة... “صفطاتنا” ونحت أجسادنا وشد حلمات صدورنا!!!
أضحكتني سيدة كويتية سمينة - ذات يوم وهي تقول إنها “تشعر بحسد حين تشاهد صور هؤلاء الجوعى عبر شاشات الفضائية وعظام أضلعهم بارزة من تحت جلودهم، وتتمنى لو تمر بحال مثل حالتهم حتى تتخلص من دهون تراكمت وشحوم تضخمت فوق كل بقعة من جسمها منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها حتى وصلت بداية أرذل عمرها الحالي الذي بلغ الثالثة والستين”!!! سألتها: “لماذا هذا الحسد حتى لهؤلاء الجوعى على جوعهم وحرمانهم”؟! قالت: لأنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الطعام، فأنا آكل حين أكون سعيدة وآكل حين أكون مكتئبة، وآكل حين أكون جائعة، وأكل حين أكون شبعانة أيضا”. حين كنا صغارًا كانوا يقولون لنا إن الحكمة من الصيام هي أن نشعر بجوع الفقراء، وعندما كبرنا عرفنا أن ذلك ليس صحيحًا على الإطلاق اذ ما دمنا نصوم حتى نشعر بمعاناة الفقير، فهل هذا يعني أن الفقير ليس ملزمًا بالصيام!!!
صححنا هذه المفاهيم وعرفنا أننا نصوم، لأن الله عز وجل أمرنا بأداء هذه الفريضة، والمسلم الجيد هو المسلم المطيع، والمؤمن الجيد هو المؤمن الملتزم. وحدثنا نبينا خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قائلا “صوموا تصحّوا” أي أن الباري عز وجل أمرنا أن نصوم لأن في ذلك مصلحة لنا ولأبداننا فكيف “ننسف” كل هذه القيم الروحانية الجميلة خلال أقل من ثلث ساعة بعد فترة الصيام تصل الى خمس عشرة ساعة متواصلة؟!! لو كانت المعدة تستطيع الكلام لصرخت لحظة الإفطار تطلب الرحمة والرفق بها من أمواج الطعام المتلاطمة التي تسقط عليها خلال عشرين دقيقة!!!