العدد 2301
الأحد 01 فبراير 2015
banner
الضمير في إسرائيل
ستة على ستة
الأحد 01 فبراير 2015

قد لا يكون من اللائق أو المقبول أن نتحدث عن ضمير داخل ذلك الكيان الغاصب والمحتل المسمى بإسرائيل الذي ينتهك جميع القوانين والقواعد الأخلاقية والإنسانية ويرتكب أبشع الجرائم والفظائع بحق الشعب الفلسطيني وجميع الشعوب العربية بما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك انتفاء الضمير عن تلك الدولة المحتلة.
ولذلك فإن حديثنا عن أي ضمير داخل إسرائيل لا يتعلق بها كدولة لأنها دولة بلا ضمير، وإنما حديثنا حول جهات وأشخاص داخل هذا الكيان الصهوني، والقصد منه التأكيد على أمرين أولهما أن ما تفعله إسرائيل قد تجاوز حدود المعقول في الإجرام وتخطى كل القيود حتى في نظر بعض ممن ينتمون لتلك الدولة الغاصبة، وثانيهما أن من بيننا أيضًا نحن العرب من أعلن عن وفاة ضميره أو اختار أن يمنحه إجازة مفتوحة بما يجعله غير قادر على الإحساس بمعاناة وآلام الشعب الفلسطيني ومستمتعًا بحياته البعيدة عن تلك الأوجاع والمنغمسة في حياة تختلف تمام الاختلاف.
فقد شهدت الأيام الأخيرة تطورات لافتة داخل إسرائيل تستحق تسليط الضوء عليها وإبرازها علها توقظ الضمائر التي نامت أو تحيي القلوب التي ماتت، ومن بينها تقرير منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان الصادر في 28 - 1 - 2015م حول حرب غزة التي استمرت 50 يومًا والذي كشف أن الغارات الإسرائيلية العديدة التي استهدفت المباني السكنية التي دمرت على رؤوس سكانها كانت نتيجة سياسة رسمها مسؤولون حكوميون والقيادة العليا العسكرية.
وأعلنت تلك المنظمة غير الحكومية نتائج تقريرها بعد قيامها بدراسة 70 غارة أوقعت 606 قتلى بينهم 70 % من القاصرين أو المسنين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما، قائلة: “صحيح أن حماس وفصائل أخرى ناشطة في قطاع غزة لا تحترم القانون الإنساني الدولي” لكن اتهامات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لحماس ترمي إلى رفع كل القيود عن العمل العسكري الإسرائيلي مهما كانت عواقبه الفظيعة”.
هذا التقرير من جانب تلك المنظمة الإسرائيلية وإن كانت قيمته وأهميته رمزية إلا أنه يؤكد مدى قسوة قلوبنا وتحجرها أمام ما تعرض له ابناء شعب غزة من حرب وحشية وهجمات بربرية طوال أكثر من 50 يوما دون نصير أو معين، بل في ظل تبرير غريب وصمت عجيب وتشف مريب ودنيء في وفاة أكثر من 2200 فلسطيني وتهجير وتشريد الآلاف وتدمير الآلاف من البيوت في مشهد عبثي لا يصدق.
أما التطور الآخر وربما الأهم، فهو قيام الجيش الإسرائيلي في نفس اليوم تقريبا بإنهاء خدمة 43 جندياً احتياطياً من وحدة الاستخبارات، بعد أن احتجوا في رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبارة قادة الجيش، قبل عدة شهور على الكيفية التي يتم بها التعامل مع الفلسطينيين، وانتقدوا إجراءات المراقبة واحتلال الأراضي الفلسطينية.
ووفقًا للخبراء، فإن هذه الوحدة (8200) متخصصة في جمع المعلومات والتنصت وتوفير الإنذارات عن الحروب المحتملة وقيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي، وكذلك العمليات الخاصة وزرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصا البلدان التي تكون في حالة عداء مع إسرائيل، ولعبت تلك الوحدة دورًا أساسيًا في الحرب الإلكترونية ضد المشروع النووي الإيراني، ويعود إليها الفضل في جعل إسرائيل ثاني أكبر دولة في التجسس والرصد بعد الولايات المتحدة الأميركية، حيث إنها بمثابة وكالة ضخمة تضم الآلاف ممن يتمتعون بقدرات خاصة في مجالات اللغة والتكنولوجيا والرياضة.
المؤثر في هذا التطور هو الرسالة التي نشرها هؤلاء الجنود في شهر سبتمبر الماضي التي تسببت في فصلهم مؤخرًا، حيث إن هذه الرسالة التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأنهم رفضوا الخدمة العسكرية، واتهموا الجيش بارتكاب انتهاكات بحق الفلسطينيين، مؤكدين أنهم لم يعودوا قادرين على مواصلة العمل مع هذا الجهاز الذي يضر بحقوق الملايين من الناس وأنهم باتوا يرفضون ارتداء الزي العسكري الإسرائيلي لكي لا يكونوا شركاء في مظالم ترتكب ضد فلسطينيين، وكتبوا في رسالتهم انهم رفضوا المشاركة في مهمات ضد الفلسطينيين الأبرياء، واستخدامهم كأدوات لتكثيف الاحتلال، كما يرفضون الاستمرار في أن يكونوا أداة لتعميق الحكم العسكري في المناطق الفلسطينية المحتلة، ويرفضون خدمة هذا النظام، الذي ينتهك حقوق ملايين الأشخاص، ويمارس الاضطهاد السياسي.
هؤلاء جنود يرفضون خدمة النظام الذي ينتمون إليه لأنه ينتهك حقوق ملايين الأشخاص في حين يعيش بيننا أناس يشجعون ويصفقون لهذا النظام ويتيهون فرحًا عند سقوط كل ضحية من الجانب الفلسطيني العربي المسلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .