العدد 2297
الأربعاء 28 يناير 2015
banner
دولة داعش الحديثة
ستة على ستة
الأربعاء 28 يناير 2015

في الوقت الذي يسود عالمنا العربي إعلام هابط في غالبه وتقديم محتوى تافه في معظمه يحاول إبعادنا عن الجاد من الأعمال والصحيح من الأفكار والسليم من الرؤى والمعتقدات، يتسلل تنظيم “داعش” الإرهابي بخطى لافتة إلى مناطق غير متوقعة ويخترق مجالات غير مألوفة ويتخذ خطوات وكأنه دولة حقيقية تسعى للتوسع والسيطرة أرضًا وفكرًا.
فقبل أيام اعتمد هذا التنظيم ولأول مرة موازنته المالية لعام 2015، والتي تقدر بنحو ملياري دولار، بفائض متوقع 250 مليون دولار، وتشمل هذه الموازنة كل المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في كل من العراق وسوريا.
وتحصل التنظيم على الأموال من النفط والإتاوات، فضلا عن استيلائه على مرتبات بعض موظفي الدولة وأموال بعض المصارف الحكومية والأهلية التي سيطر عليها في العراق.
وكما هو حال معظم الدول، فإن جانبا كبيرا من تلك الميزانية وهذه الأموال يذهب لما يعرف بالمجهود الحربي أو الإنفاق العسكري ودفع مرتبات للمقاتلين تبلغ وفقًا لبعض الخبراء ما بين 500 إلى 650 دولارا شهرياً لكل مقاتل، فضلا عن وجبات الطعام اليومية والمساعدات التي يقدمها في المدن ضمن محاولاته كسب المواطنين.
ولأن التعليم ركن أساسي لأية دولة وركيزة مهمة من ركائز التنمية والتقدم، فقد أعلن تنظيم “داعش” عن افتتاح كلية جديدة للطب في مدينة الرقة الواقعة شمالي سوريا والتي يسيطر عليها التنظيم بشكل كامل، ولكن بشروط يسيرة وليست معقدة كتلك التي تعتمدها جميع الدول بما يتلاءم مع أهمية هذا المجال من العلم، حيث إن مدة الدراسة هي 3 سنوات فقط تشمل الجانبين النظري والعملي، ويشترط فقط ألا يقل عمر المتقدم عن 18 عاماً وألا يزيد على 30، وأن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية العامة (الفرع العلمي) بمعدل 80 % فأكثر.
ولمزيد من التشجيع والتحفيز، فقد سمح التنظيم للذين منعتهم ما وصفها بظروف الحرب من الحصول على الشهادة الثانوية بالتقدم لامتحان تنافسي بشرط أن يكون معدله في الشهادة الإعدادية 80 % فما فوق.
وإسهامًا من تنظيم “داعش” في القضاء على مشكلة البطالة التي تعاني منها كل الدول تقريبا، فقد أعلن عن حاجته لتوظيف خريجي كليات الطب، والهندسة، والتمريض، والإدارة، والاتصالات، وذلك لخدمة المجهود الحربي الذي تقوم به داعش التي “تجاهد” لإقامة دولة الخلافة.
وانتبه التنظيم لأهمية الدور الذي يقوم به الإعلام في تجنيد “الجهاديين” والترويج لأية سلعة مهما كانت رديئة وفاسدة، فتحرك “داعش” على جبهات إعلامية عدة، فاعتمد في البداية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا “تويتر”، وأيضا موقع تشارك الفيديوهات “يوتيوب”، ثم انتقل إلى مرحلة المطبوعات والنشر، بإصدار مجلة “دابق”، التي تمثل الناطق الرسمي للتنظيم، وهي مثلها مثل الصحف الرسمية، حيث تمتلئ صفحاتها بإنجازات التنظيم وما يقدمه للمسلمين، إضافة إلى المشاريع التي يسعى لإقامتها والشريعة التي يسعى لتطبيقها.
أما على صعيد الإعلام المسموع، فقد أطلق “داعش” إذاعة “البيان” التي تقوم ببث خطب قادة التنظيم وعلى رأسهم أبوبكر البغدادي، إلى جانب خطب أخرى حول الجهاد وضروراته وفضائله.
وكما هو حال الإذاعات العالمية مثل هيئة الإذاعة البريطانية، تقوم “البيان” وعلى رأس كل ساعة ببث نشرة إخبارية، يتم تحويلها لاحقًا على “يوتيوب” عبر قناة تحمل نفس الاسم “البيان”.
ولضمان الاستقلالية الإعلامية، أنشأ التنظيم مؤسسة “الفرقان” لإنتاج أشرطة الفيديو الصادرة عن التنظيم، إلى جانب الأفلام الوثائقية.
ولتحقيق التواصل مع المشاهدين في كل مكان، ينوي “داعش” إطلاق “قناة الخلافة”، وسيكون بث القناة على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، كما سيتم عرض مجموعة من الفيديوهات، التي أعدها الأسير البريطاني لدى التنظيم، جون كانتلي، بالإضافة إلى نشرة أخبار يومية، وبرنامج بعنوان “حان الوقت للتجنيد” الذي سيناقش كيفية تجنيد الجهاديين الجدد، وإقناعهم بالانضمام للتنظيم.
واضح أن داعش يسير بخطى واثقة ولا نكاد نشعر بأن هناك تحالفا دوليا من عدة دول يحاربه ويسعى للقضاء عليه، بل إن التنظيم يخترق مجالات غير مسبوقة ويبتكر وسائل للتواصل والتجنيد تثير الانتباه وتفرض العديد من التساؤلات وتحيط الموضوع برمته بالغموض.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .