العدد 2231
الأحد 23 نوفمبر 2014
banner
التطرف الغربي والإسلامي... ما الفرق؟ طارق الشمري
طارق الشمري
ما وراء الحقيقة
الأحد 23 نوفمبر 2014

عقلية ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي هي أحد معالم ظاهرة التطرف الإسلامي. وهي عقلية وآيديولوجيا تشبه ظاهرة حزب الله والأحزاب العراقية ذات الولاء الصفوي لإيران، الذين اتخذوا من التطرف ونبذ كل مكونات وطيف المجتمع الإسلامي. وبين مغال ومستصغر للأسباب، فإننا نستطيع أن نحدد وبشكل أساسي الأسباب الحقيقية التي عمقت هذه الظاهرة والتي يمكن إيجازها بالتالي: السياسة الأميركية والغربية ضد المسلمين، حيث لاشك أن بذور التطرف الإسلامي كانت موجود قبل مجيء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، إلا أن السياسة المضادة للإسلام والمسلمين، والتي قادتها أجهزة إدارة الرئيس بوش ومن جاء بعده، ساهمت بالنصيب الأكبر في انتشار وتوسع التطرف الإسلامي، ليس ضد كل ما هو غربي، بل ضد كل من يتحالف من العرب والمسلمين مع الإدارات الغربية، نظرا لما كان يعانيه هؤلاء المتطرفون بما يصفونه بالحرب الصليبية، التي تقوم بها الإدارات الغربية ضد كل ما هو إسلامي، حسب أبجدياتهم. ويؤكد هؤلاء ان ما من رئيس أميركي تطرف ضد الإسلام والمسلمين وأهانهم وتحامل عليهم، وعمل على القضاء عليهم بطرق غير مباشرة منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية مثل الرئيس جورج بوش الابن، بدءا من تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرورا باحتلال أفغانستان وانتهاء بتدمير حضارة اسمها بلاد الرافدين، أي احتلال العراق.
التعصب لإسرائيل، من أهم الأسباب أيضا التعصب والدعم اللامحدود لإسرائيل ودعمها من قبل واشنطن والعواصم الأوروبية بكل قوة، حتى أصبحت قوة عسكرية وسياسية واقتصادية، مقابل تدمير وقتل وتشريد الفلسطينيين، ومحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية بشتى الطرق، غير آبهين بالمآسي الإنسانية التي يعانيها الشعب الفلسطيني. ولعل الأيام الأخيرة لحكم بوش وإعطاءه الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية لشن عدوانها على غزة، وسط سكوت عالمي على ما تعتبره المنظمات الدولية جرائم إبادة جماعية وانتهاكا واضحا لمبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان، تعتبر دليلا واضحا على مدى تعصب هؤلاء لإسرائيل وتطرفهم ضد فلسطين وشعبها. هذا التعصب لإسرائيل كان بمثابة الوقود الذي يشعل نار التطرف الإسلامي باستمرار بين الجماعات المسلحة والجماعات الإسلامية المدنية المتطرفة، والذي طالما استند عليه الخطاب الإعلامي والديني والسياسي لهؤلاء المتطرفين المسلمين.
الدكتاتورية العربية: لعبت الدكتاتورية العربية دورا مهما في استمرار ظاهرة التطرف الإسلامي، خصوصا في البلدان العربية ذات الأنظمة الانقلابية، واستهدفت الجماعات الإسلامية المتطرفة النظام العربي الحاكم وأدواته من وزراء وإدارات تابعة له. بل وصل الأمر إلى استهداف منابع الدخل المادي الوطني والمتمثل في بعض الأحيان في السياحة، من خلال اختطاف أو قتل السياح في البلدان العربية. وخلال الستين عاما الماضية، استمرت بعض الأنظمة العربية الدكتاتورية بمنع شعوبها من التمتع بالديمقراطية ومن حرية التعبير. ومنعت أيضا وبطريقة غير مباشر التنمية البشرية والاقتصادية لشعوبها. كما قامت ومن خلال احتكار الطبقة الحاكمة بنهب ثروات البلد وخيراته والرمي بالفتات للشعب. هذا بالإضافة الى انتشار الفقر والجهل والفساد الإداري والسياسي بسبب هذه الدكتاتورية. ولهذا فإن نهب ثروات البلاد وانتشار الفقر والجهل والفساد كان بمثابة الحضن الدافئ لظهور هؤلاء المتطرفين وانتهاجهم أفكارا دينية متطرفة، لتواجه به هذا التطرف الذي تقوده الطبقة العربية الحاكمة والمتمثلة بديكتاتورية الحزب الواحد.
ولهذا فإن التطرف الإسلامي لم يأت فقط كنتيجة لعدم وجود ديمقراطية مثلا كما يؤكد البعض. ولم يتطور بسبب التفسير الخاطئ للشريعة الإسلامية. بل نؤكد انه جاء نتيجة نقطتين أساسيتين هما أولا: ان التطرف كان نتيجة لترابط عدة أسباب مع بعضها البعض، أدت في النهاية الى صعود نجمه على الساحة الإسلامية والعربية. بمعنى ان وجود الدكتاتورية العربية فقط لم يكن سببا بحد ذاته لظهور التطرف، بل انه ومع تطرف إدارة الرئيس بوش بالإضافة الى التعصب لإسرائيل، أصبحت هذه كلها سببا واحدا أدى إلى التطرف. ولهذا فإنه لا يوجد تطرف إسلامي اعتمد فقط على وجود الدكتاتورية العربية، من دون ان تحركه مسألة تطرف بوش ضد الإسلام، وتطرف إسرائيل ضد المسلمين والفلسطينيين. ثانيا: ان ظهور التطرف الإسلامي هو نتيجة حتمية لتطرف آخر تمثل في تطرف الآخرين ضد الإسلام أو العرب. فإدارة الرئيس بوش ومن خلال أفعالها كانت متطرفة ضد الإسلام، وبدعم من المحافظين الجدد الذين كانت أجندتهم تدمير أفغانستان والعراق وسوريا وتقليم أظافر مصر. كما جاء التطرف الإسلامي أيضا نتيجة الدعم اللامحدود لإسرائيل، مما يعني تطرفا أوروبيا أميركيا يتمثل في مجلس الأمن وقراراته ضد الفلسطينيين وضد اللاجئين ورفضهم لعودتهم لأراضيهم المحتلة. وما حدث في غزة من سكوت أميركي أوروبي على مجازر غزة لهو دليل واضح على التطرف ضد الفلسطينيين. وأيضا فإن التطرف جاء كنتيجة متوقعة لتطرف طبقة حاكمة واستئثارها بمقدرات وثروات البلد.
وعليه، يجب أن لا نمارس نحن جلد الذات ونضع أخطاء وآثام وجرائم الآخرين على ظهورنا ونقبل بأننا السبب الكلي لهذا التطرف ونصبح كبش فداء لهم. علينا ان نجهر بالقول ونعلنها بكل صراحة وبكل قوة ان إدارة الرئيس بوش والتعصب الأميركي الأوروبي وتواطؤ الدكتاتورية العربية، الأسباب الرئيسية لصعود الإرهاب الإسلامي الى قمته. ولعل إدارة الرئيس اوباما أدركت تلك الأسباب، لذلك فهي وفي كل مرة تؤكد ان الولايات المتحدة ودستورها وقوانينها وشعبها لا يستهدفون الإسلام بل يكنون له الاحترام والتقدير. وهي إشارة موجهة الى هؤلاء المتطرفين الإسلاميين بضرورة نسيان حقبة بوش المتطرفة، والبدء بصفحة جديدة من التسامح والتعايش بين أعظم حضارتين في العالم، الحضارة المادية الأميركية والحضارة الروحية الإسلامية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية