العدد 2907
الخميس 29 سبتمبر 2016
banner
“منجا مصرية بلونين” غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 29 سبتمبر 2016

في العام الماضي، أنهينا في البحرين العقد الثاني من تعرفنا على الإنترنت. هذا “المخلوق” الذي استطاع تعريف الكثير من الأشياء، والعلاقات والأعمال، وما نتج عنه من برامج اتصالية متعددة أغرقتنا بتطبيقاتها، وكلما قلنا انتهينا، فإذا بها تقول: “ليس بعد...”، ولتدخل تحديثات على ما سبق، أو سبق لما لم يكن موجوداً من ذي قبل.
ومع انقضاء السنين، ظنّ الظانّ أننا هدأنا بعد أن ذهبت “الخرعة” منا، وبدأنا نعقلن علاقتنا ببرامج التواصل الاجتماعي حتى نصنع الموجة الثانية الذاهبة إلى الاستفادة من التقنية بشكل أفضل. لقد فعلها عدد لا بأس به من شبابنا، وصاروا يقودون قطاعاً مهما في الأعمال، يقوم على الإبداع والابتكار، وهذا مطلوب بشكل كبير في الدول التي تواجه الكثير من التحديات كالبحرين، ولكن السواد الأعظم من الناس لا يزالون بين محايد، و”غشيم” في التعامل مع ما يتناقله الآخرون، ويذيّلونه بـ “منقول” أو “كما وصلني”.
وكان الظن أيضاً ينصرف إلى أننا تعلمنا من دروس أحداث 2011، حيث كانت الرسائل في أوجها، وتكون في بعض الأحيان لا تصدّق من قريب ولا من بعيد، ولكن أناساً يتداولونها بتصديق، ويصدر تكذيب للواقعة المنتشرة من قبل ذوي الشأن، ويجري نقل التكذيب، وأعينهم مسمّرة في شاشات هواتفهم ينتظرون جديد القمامة والمهملات الإلكترونية ليباشروا التوزيع على أوسع نطاق. ومع كل ما حدث من رمي الناس بعضهم بالزور والبهتان، والنيل من الشخصيات والأعراض والذمم، فإن درس التريث والتيقّن لم يستوعَب بعد.
فما حدث بالنسبة لما تم نشره في شأن المزروعات المصرية يكشف مدى الهشاشة التي تجلل قطاعاً كبيراً من شعبنا. فقد جرى أولاً نشر كثيف جداً لأخبار مفادها أن هذا النوع من المزورعات ملوث، ويسبب الأمراض الخطيرة، وجرى تدعيم هذا الكلام بذكر المصدر، أي أنه كان من منظمة الغذاء والأدوية الأميركية، وما هي إلا أيام حتى ينشر بيان مخالف، ومذيل أيضاً ببعض السلطات الطبية والغذائية وممهور بختمها، ليقوم الكلام الأول نفسه، وهكذا أصيب الناس بشيء من اليأس والقنوط، ما الذي عليهم تصديقه، وما الذي يكذّبون؟!
انفتاح السماوات والفضاءات وتعددها والحرية السابحة عبر أجهزة صغيرة اليوم وغير ذات بال، يجعل من المهم نشر الوعي بدلاً من تزييفه، وترسيخ “العقل الناقد” بدلاً من أن تكون مجرد “بوابة” تمر بها هذه التغريدات، فتصبح أنت، بإعادة إرسال هذه الرسائل، مجرد وسط حاضن للفيروس، وتطلقه في أوساط أخرى من دون تحسس لما فعلته للتو. الاشتراك الذي لم يستثن الصغير والكبير من الانجرار في إعادة تدوير كل ما يصل إلى الفرد، يفتح السؤال حُرّاً عن أية سهولة يمكن لعدوّ أن يخلخل مواقفنا ببعض الجهد البسيط، ثغرة للنفاذ، وما أوسعها من فتحات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية