العدد 2904
الإثنين 26 سبتمبر 2016
banner
السلطةُ خيولٌ وحشية غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 26 سبتمبر 2016

أحياناً أقول إن لم يعد هناك ما يدهشنا أو يثيرنا من الأخبار، لكثرة ما تضخّه وسائل الإعلام من أخبار بشكل لحظي، أخبار تنافس بعضها في الغرابة حتى تسطّحت حاستنا للمدهش والغريب. ولكنني أعود لأنفي هذه المقولة، إذ لا يزال في الدنيا ما يثير الدهشة، كهذا الخبر.
فقد “حذرت حكومة زيمبابوي من أن أي شخص يبيع أو يعرض العلم الوطني قد يواجه عقوبة السجن مدة تصل إلى سنة، بعد أن أصبح العلم رمزًا للاحتجاج ضد نظام الرئيس روبرت موغابي”. هذا ما يقوله الخبر الغريب الذي اعتبر علم البلاد ورمزها، والرايات التي يجب أن تظل مرفرفة عالياً، واحدة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون. إذ “اتهمت وسائل الإعلام الرسمية المتظاهرين بـاستخدام العلم لإثارة العواطف السياسية ضد الحكومة المنتخبة دستوريًّا”.
أليس من المستغرب أن تطال شهوة السلطة المحمومة رمز الدولة، وتصبح مسألة تداوله (علم البلاد) جريمة، لأن قسّاً معارضاً ارتدى العلم وهو يدلي بخطاب مشحون بالأسى والألم لما وصلت إليه البلاد من أوضاع اقتصادية متردية؟!
راجعتُ نفسي مرتين، لأتأكد أن لا شيء في الدنيا يساوي شهوة السلطة، فإذا كان الأمر نفسه في المجتمعات المتخلفة يجري على رئاسة قسم في وزارة “كحيانة”، فيشعر هذا الرئيس أن المكان إنما ورثه كابراً عن كابر. لقد استرخص الخلفاء العباسيون في أيام تدهور الدولة قتل الأخ أخاه، أو تكون لدى الغالب منهما بعض الرأفة فيسمل عينيه ويرميه في الشوارع ليتكفف الناس؛ ألا يهون تجريم رفع العلم، أو حياكته؟ وأين علم الدولة حينما تنسف الدولة ومقوماتها واقتصادها؟ في الأساس: ما الدولة من دون إنسانها الذي يحيا فيها رافعاً رأسه بأنفة كرايتها، مرتعشاً قلبه عليها كحبيبة، متوزعة شرايينه في أرجائها بالتساوي.
خيولٌ وحشيّةٌ جامحة عمياءُ هذه السلطات، من يركب ظهرها لا يستطيع لجمها، ويلذُّ له الركوب فلا يترجّل، تقوده لأن يصدق نفسه وينساها، يدوس ما أمامه، يدمّر نفسه إن لم يجد ما يدمّره.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .