العدد 2676
الخميس 11 فبراير 2016
banner
إيران التي تحت ناظري غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 11 فبراير 2016

بمحاضرة وازنة، وحضور قليل العدد، كان الدكتور عبدالستار الراوي، مستشار المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، يتدفق مساء الثلاثاء في جمعية الصحفيين البحرينية بشرح الكثير من الوقائع في محاضرته التي وُسمت “حقيقة الخطاب الإعلامي الإيراني في المرحلة الراهنة”، ذاهباً إلى أعماق الطبقات التي ولّدت هذا الخطاب الذي بات – بوصفه – يتمحور حول ذاته، ويقدّس تلك البقعة من الأرض، معلياً من شأن النظام الحاكم هناك على اعتبار أنه نظام رباني.
ليس هذا بيت القصيد الذي أذهب إليه، ولكن الحديث انثنى إلى الدور الإيراني في الإعلام، سواء الإعلام الإيراني، أو العربي أو العالمي، سواء بخلق المؤسسات الإعلامية الجديدة الموالية للفكر الإيراني الحالي، أو تلك التي تعمل على دسِّ الأفكار بشكل أكثر احترافية من التطبيل الرسمي للنظام. وإلى جانب هذا النوع من المؤسسات الإعلامية، تقوم السلطات الإيرانية بتمويل مؤسسات إعلامية أخرى، وشراء حصص مؤثرة من أسهمها، أو عن طريق المنح المالية المباشرة أو غير المباشرة عبر الوسطاء، وما أكثرهم، وهذا الأمر يسري ويستشري ويتنامى في الدول التي تغيب عنها القوانين الضابطة للعمل الإعلامي بوصفه واحداً من أكثر المجالات تأثيراً في هذا الزمن الذي تخطف فيه الصورة الأبصار، وعلماء النفس والاجتماع يعملون جنباً إلى جنب مع منتجي الأعمال الإعلامية على اختلاف أنواعها. وفي المسار الثالث من المسارات الإعلامية الإيرانية، يأتي الشراء الفردي، إذ أحياناً أنت لا تحتاج من هذه المؤسسة إلا أشخاصاً قليلين، كتاباً معروفين، محررين ماهرين، أناسا يعملون في “مطبخ” المؤسسات الإعلامية، يقومون بحياكة القصص بحرفية عالية لتصبّ – في المديين المتوسط والبعيد - في صالح إيران التي تضارع في هذا السياق الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد حينما شاهد سحابة، فقال في ثقة عالية: “أمطري حيث تمطرين فسيأتيني خراجك”، وهكذا النظام الإيراني يمكنه القول، بثّوا واكتبوا وغرّدوا أو انعقوا وانعبوا، فستأتيني الفوائد تباعاً.
أستاذ جامعي قال إنه قام بدراسة علمية لتحليل خطاب “بي بي سي” مقابل قناة “العالم”، فوجد أن “بي بي سي” منحازة إلى إيران أكثر من “العالم” نفسها، ولم ينكر أحد المتابعين بعمق هذا الخبر وقال إن إيران اشترت بي بي سي تقريباً، ووافقه ثالث في موقف مختلف، مشيراً إلى أنه بات من الممكن تمويل بي بي سي من الخارج وليس من أموال دافعي الضرائب وحسب، وإلى الآن ليس لديّ الخبر اليقين عن هذا الشأن، ولكن الأخبار تترى بتلقي هذا الصحافي العالمي الكبير مبالغ من طهران، وأن وسيطاً يعمل على ترتيب صفقات إعلامية مع مؤسسات، وأن مناطق تغطّى إعلامياً بما ينطق باسم “الجمهورية”، ومناطق أخرى في الطريق إلى الاختراق.
لندع العواطف جانباً، لأننا ما تعوّدنا في التعامل مع الشأن الإيراني إلا من باب ردّ الفعل، والعويل لساعة، والساعة كثيرة أيضاً على العويل والنحيب الجادّين، ثم ننصرف إلى ما كنّا عليه، حتى الموعد المقبل لمفاجآت أخرى. ولنذهب إلى البراغماتية والواقعية، لنجد الكثير من الأسباب التي تجعلنا نتفكر في هذه الخطوات الإيرانية، وأهمها التنبّه المبكّر لأهمية الإعلام وتنويعه وتنويع مؤسساته، وتنويع خطابه ما بين المباشر الثقيل، والناعم الموارب والمندغم بفن في ما بين الثغرات.
كما أن إيران عملت هذا وهي محاصرة، وتكاد تكون معزولة عن العالم، لولا الأطماع الآسيوية الأوروبية التي أبقت جذوتها مشتعلة، فراحت تحاول فك هذا القيد الحديد الذي سُلسلت به طيلة هذه السنين عن طريق الإعلام، فـ “الجمهورية” منذ قيامها وهي تشعر أنها ليست في الوضع الآمن والمنسجم مع غيرها من الدول العربية القريبة.
ومع فارق التشبيه، فإن أوجه الشبه تظل قائمة ما بين الكيان المحتل وإيران، وإنْ إيران أيضاً كيانٌ محتل؛ فإن الصناعات في البلدين متطورة، وتبعاً لذلك فإن مستوى الجامعات في إيران متقدمة أيضا، وإن بقيت المفارقة أن الدول الخليجية أسرفت في ترفيه وتدليل شعوبها، فيما إيران “قتّرت” على شعبها.
إننا في هذا الشطر من الخليج العربي، نصيح أن إيران تشتري، وتموّل، وتستميل، وتتعامل مع مؤسسات خاصة، عربية، وعالمية، وتخترق الأجواء والأفكار، إننا لا نريدها أن تفعل هذا، ولا نريد أن نمارس حقنا في اللعبة نفسها فلنلعب حيث يلعب الآخرون، خصوصاً أن أموالنا ليست أقل من تلك التي في خزائن إيران، بل أكثر، ولكن تبقى القضية، ويبقى التوظيف، فأيادينا مطلقة لم يقيّدها أحد، ولم يطلب منا أحد أن نكفّ عن تسييل الأفكار التي نؤمن بها، فهذا ميدان عالمي مفتوح.
ومرة أخرى استفادت إيران من الدرس الإسرائيلي الصهيوني الذي استطاع عبر الضخ والفيض الإعلامي – وعبر عشرات السنين من الأعمال الجادة والهزلية، والنكتة والدمعة، اللقطة السريعة والتركيز العميق، عبر أغنيات ومسرحيات ومعلقين ومقدمي برامج على مدى عشرات السنين، بنفس طويل وصابر ومثابر – أن يليّن المواقف العالمية التي كانت تكره اليهود فقط لأنهم يهود مع جملة من القصص الفلكلورية حولهم، بل نحول اللين إلى المواقف العربية التي لها وما لها مع أبناء صهيون، وصار العرب ينفضّون من حول من يتحدث عن الكفاح المسلح، والصمود والتصدّي، وصارت “الممانعة” تجارة وليست موقفاً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية