العدد 2547
الإثنين 05 أكتوبر 2015
banner
شعوب العالم والرموز غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 05 أكتوبر 2015

عندما أتأمّل شعوب العالم، بطبيعة الحال لا أعرفها جميعاً، ولا أعرف ما يميزها جميعا، ولكن ما أعرفه من هذه الشعوب، أو بعض هذه الشعوب، هو أنّ لها من الرموز ما يجمعها إلى بعضها، ما يلغي عندها جميع أنواع الخلاف والشقاق بأنواعه: السياسي، الديني، العرقي، المذهبي، اللغوي، المناطقي، فيجتمعون حوله ليقولوا: كلنا واحد وإن اختلفنا.
هل يمكن أن نقول إن المصريين وجدوا في “النيل” جامعاً لهم أجمعين لا يمكنهم الفكاك منه، ولا يحمل صفة تفضيلية لأحد على أحد، والذي – كما تقول التقارير المتتالية والمتآزرة - انه ما عاد ذاك النهر الجميل الرائق ذي المياه الزرقاء المنسابة، والتي يمكنك قبل بضعة عقود أن تغترف منه غرفة بيدك من أي مكان منه لتروي عطشك؟ نعم، أظن يمكننا قول ذلك. اليونانيون يعتزون أيما اعتزاز بـ “الأكربولوس”، ويعتبرون هذا الأثر الجميل دليلاً على أيام كانوا يقودون فيها العالم من حيث العلوم التطبيقية والنظرية، الإنسانية، الفلسفة، فكل يوناني ترى عينيه شاخصتين إلى هذا المعلم الذي يشدّ أهل البلاد إليه. ربما تكون ساعة “بيغ بن” في المملكة المتحدة مؤلفة قلوب الإنجليز والرمز الجامع لهم. ما قولكم في فرنسا؟ أليس “برج إيفيل” هو الرمز الثقافي والحضاري الذي يخطر في ذهنك عندما يقال أمامك: باريس؟ أليس “تمثال الحرية”، الحال نفسها في هولندا التي قامت على “السد” الذي صنع للهولنديين حياة جديدة، وكذلك “طاحونة الهواء”، وربما تجد الناس في دولة كماليزيا، يتجمعون حول برجي شركة النفط العملاقة بتروناس، ليشهدوا الاحتفالات الوطنية، وهي التي بدأت تبني عناصر تميزها منذ 35 عاماً تقريباً. ولا يبتعد عن ذلك أهل إمارة دبي الذين صار “برج خليفة” معلمهم الذي يشير إليهم ويدلّ، وقس على ذلك ما عند إيطالياً وهندوراس، وكندا والكثير من الدول والشعوب شرقاً وغرباً.
والرموز ليست فقط ما هو قائم من صنع الإنسان، فشجرة الأرز اللبنانية رمز، والكيوي عند النيوزلنديين رمز، وورقة شجرة القيقب رمز لدى الكنديين، والكنغز رمز الأستراليين، والفيل رمز لأكثر من بلد في وسط آسيا كسيرلانكا والهند، والنسر الأصلع الأميركي.
المفكر المغربي إدريس بن القابلة يعتبر الرموز “بمثابة العناوين الرئيسة التي تختزل المثل العليا المشتركة لشعب الدولة وقيمه التي يعتز بها ويفتخر باستدماجها ويتعرّف الآخر عليه عبرها، كما يختزل الغايات التي يروم تحقيقها. وهي، بحسب المجالات الجغرافية- الثقافية التي تنبثق منها قد تكون مصممة على شكل بصري أو سمعي أو أيقوني، أو قد تجمع بين بعض هذه الأشكال أو بينها كاملة”.
ولكننا نجد هذا الفهم مختلفاً تماماً عن فهم جاره الموريتاني محمد ولد شيخنا، الذي كتب يطالب بوقف بث مسلسل في رمضان اسمه “بنت الناس” بدعوى أنه يهاجم رموز المجتمع رجال الدين، قائلاً إن هذا المسلسل “مكتوب بمنطق حاقد على قيم المجتمع ورموزه وإلا فما معنى أن تكون شخصية الشيخ التي عرفت لدينا بالعلم والتصوف ونشر الفضيلة والخلق الكريم، تجسد في هذا المسلسل الشعوذة والخداع والتحايل؟”. في الوقت الذي اعتبر نقيب المحامين المصريين سامح عاشور أن طريقة الاغتيال الوحشية التي أدت لاستشهاد النائب العام المصري المستشار هشام بركات، يجعل الجميع يشعر بالتقصير في “حماية الرموز الكبيرة في مصر”.
إن موضوع الرموز هو من المواضيع القديمة قدم الإنسان الذي يريد دائماً ما يمكنه أن ينتمي إليه، ما يختصره أمام الآخرين، ما يجمعه في كلمة أو شكل أو بناء أو حتى كائن حي، سواء كان حيوانا أم سمكة أم طائرا أم نباتا.
أحاول أحياناً التوقف عن النواح في الكتابة، ولكن أغلب على أمري حينما يكون الأمر متعلقاً بأهل بلادي الذين يصعب يوماً بعد يوم التعرف عليهم، الأقدمون منهم بالتحديد، أما الجدد فيستحيل ذلك... فلو بحثنا عن بناء قائم له عمق في التاريخ والنفس والثقافة، فهل هو “مسجد الخميس” أم “المشهد ذو المنارتين”؟ هل هو رأس ثور دلمون أم سيعتبره البعض جزءاً من الوثنيات الذي لا يتشرف أن يكون ممثلا له، بل وتجتمع فيه صفتان منبوذتان: الصنمية البهيمية؟ هل النخلة رمز؟ هناك من سيشير إليها إشارات ذات مغاز لكثرة من يعمل بها.. هل البحر رمزنا بما فيه من لؤلؤ؟ وللبحر مغازيه أيضاً لكثرة من كان يعمل به حصراً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .