العدد 2393
الإثنين 04 مايو 2015
banner
عواصف حزم نحتاجها اليوم غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 04 مايو 2015

إذ وجهت قوات التحالف العربي ضرباتها وعملياتها العسكرية إلى خارج حدودها في ما عُرف بعملية “عاصفة الحزم”، فقد آن لهذه العملية أن تتواصل في الداخل، لأن الداخل أحوج ما يكون للحزم بكل أشكاله ومعانيه، ويحتاج إلى العصف الحقيقي الذي ينفض الأسرّة الاجتماعية التي طالما تراخى عليها الناس، والتي لكثر ما استلقى عليها المستلقون مما شجّع المجدّين على اتباع الأسلوب نفسه، والمضي في الدرب نفسه الذي مضى فيه المتكاسلون، ونالوا مكاسب نظير كسلهم وتراخيهم، فكثر هذا الصنف في ما بيننا، وقلّ المجدّون والمبدعون والطامحون والفاعلون، وصار يُنظر إليهم نظرة الإشفاق والاستغراب.
فمادام الوضع التعليمي (خليجياً) يتباهى بقلة الراسبين في المدرسة، ويعد أنه مع الدور الثاني ستصل نسبة النجاح إلى 100 %، ونكتشف بعد ذلك أن هذه الأفواج لم تخرّج كتبة حتى، وأرسلت إلى الجامعات والأسواق نماذج مشوّهة من الذين لا يمكنهم كتابة فقرة واحدة من دون أن تعج بالأخطاء، ومن دون أن يلجأ أحدهم إلى “الاستعانة بصديق” من أجل أن يفهم موضوعاً بديهيّاً، ومع الضحك السمج على الأخطاء، ومع الأيام تصبح هذه الأخطاء ثوابت، والثوابت من الأمور الثقيلة، واستسهال ما يسمى بـ “اللغة البيضاء” والتي هي ليست إلا تهرباً من اللغة السليمة، وعدم بثّ الحماس في الطلبة على سلوك الدروب التخصصية، والاستسلام للتخويف من العلوم والرياضيات والهندسة وكل علم يعتمد المعادلات الحسابية، ومادام المعلم في أسفل السلالم الوظيفية، ولا يلقى الاحترام، ومادامت السنوات تتتالى وامتحاناتنا ليست أكثر من تفريغ المحفوظ على الورق، وتفريغه من الدماغ إلى الأبد، والتباهي بألعاب الأرقام الدولية، والوصول إلى مراتب متقدمة على الورق، بينما الواقع يقول خلاف ذلك؛ حينها سنحتاج إلى عاصفة حزم تعليمية.
ومادام “التخطيط” لا يزال يسبب عسر هضم لدى صنّاع القرار على أي مستوى، لما فيه من تعب وانضباط، ولما للتخطيط من قدرة على رسم خط سير المؤسسة أو البلد، للسنوات المقبلة، مع شرط أن يجري الأخذ بكل ما تتطلبه هذه الحركة، ومادام التخطيط يمنح رؤية مستقبلية لا نود أن نراها، وإن رأيناها لا نود أن نصل إليها لأن هذا يعني أن علينا إغلاق الكثير من أبوابنا الخلفية التي نستطيع من خلالها التهرب من الالتزامات، ويجعلنا التخطيط مركزين ومنضبطين، لا يهمنا إن زعل فلان، أو إن “طقّت” في رأس فلان وخرج لنا بمشروع لم يكن على البال والخاطر، فقط من أجل مغامرة فردية، أو لأن هناك مصلحة مادية أو غير مادية يتحصل عليها هو أو من يهمه، وكان هذا المشروع الجديد مما يحرفنا عن هدفنا الذي خططنا له، ولم نقف، وتقف معنا القوى جميعها التي تريد للرؤية والحلم أن يتحقق، لقول “لا” عريضة للمغامرات وإضاعة الوقت والانحراف والمصالح الشخصية؛ حينها سنحتاج إلى عاصفة حزم استراتيجية.
وإذا ظل إعلامنا تابعاً للإعلام الغربي الدولي، أو قابعاً ومتقوقعاً في مكانه، لا يزال على عهده القديم أنه لا يُري الناس إلا ما يرى، وهو الذي يهديهم سبل الرشاد، وإذا بقي في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يكذِّب ويبرر ويردّ ويفنّد، ولا ينشر من القصص إلا ما يخدم السياسة العامة، ويتجنب النقد، ولا ينتقد إلا كل ما هو خارجه. هذا الإعلام الذي إنْ حوصر في مكان ما لم يعترف وإنما قال: وهل نحن فقط الذين لديهم مشاكل في العالم؟ فحتى أرقى الدول لديها مشاكل مشابهة... ولكنه أبداً لا يقرّ بوجود مشاكل، ولا يجرؤ على طرح حلول لها، إعلام ملغوم بالأكاذيب والمراوغة، ويستغرب لماذا لا يتابعه الناس في عصر الانفتاح الإعلامي الكبير؛ حينها سنحتاج إلى عاصفة حزم إعلامية تحترم عقول المتابعين وتخلق لهم أطراً إعلامية لا تهمل التسلية، ولكن لا يكون تسلية وحشواً فقط، ويا ليته جميلاً أيضاً.
وإن بقيت الأعمال، خصوصاً في القطاع العام، تعتمد على المقرَّبين المقرَّبين، وعلى التوظيف والترقيات على قدر الولاء، وإذا كانت الإنجازات تتساوى مع التسيبات، وإذا كثرت المواطن التي تتكدس بالرجال (والنساء طبعاً) غير المناسبين في الأماكن غير المناسبة، وإذا بقيت الممارسات الشوهاء في الإدارة هي الطاغية، وعدم المعرفة من الحزم إلا دخول الموظف في الساعة الفلانية وخروجه في الساعة الفلانية ليكون بذلك مثالياً، والسطو على أفكار الموظفين، وتسليط محدثي السلطة عليهم لممارسة كل صنوف العقد النفسية، وعدم إيلاء النزاهة، والابتكارية، والإخلاص للعمل، والبذل، أي معيار. وإذا ما سادت التصرفات المالية الملتوية بين المكاتب، وصار أخذ الرشوة اعتيادياً تحت مسميات عدة، بل أصبح طلب الرشوة حقا مكتسبا، حينها سنحتاج عاصفة حزم إدارية.
هناك فرق بين “الحزم” و”القسوة”، وقلة من مطبقي القوانين يعرفون هذا الفرق، وكثرة من الذين تطبَّق عليهم هذه القوانين يودّون لو يتملّصون منها، فالحزم يمكنه أن يسيّر الأعمال من دون مماطلات، ويجعل الكسول يعمل الساعات العملية التي عليه أن يشتغلها، ويدفع بالمعلم إلى أقاصي الإبداع، ويعلم الطالب أنه إن لم يجدّ فإن مراتبه الاقتصادية والاجتماعية ستتدنى في المستقبل، وتعلم السائق أن الطريق ليس ملكه ليفعل فيه ما يشاء، والتاجر بأن هناك قوانين ضد التلاعب في الأسعار والبضائع... والقائمة تطول.
لقد عانت المنطقة على مدى أكثر من أربعة عقود من التراخي والدلال والنعومة الزائدة، بما أخرج لنا قطاعات من البشر هم في الحقيقة ضحايا لتربية مجتمعية لا هدف لها ولا توجه، فما أحوج هذه المنطقة إلى حزم الأيدي النظيفة، والعقول النيّرة لتتسيد المشهد، بدلاً من الديكورات الجوفاء التي ابتلينا بها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية