العدد 2235
الخميس 27 نوفمبر 2014
banner
مقاربة أخرى لنتائج الجولة الأولى غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 27 نوفمبر 2014


لم يحدث في الانتخابات السابقة، أن تدافع هذا العدد من المواطنين للترشح في الانتخابات البلدية والنيابية على السواء. فهذا العدد الكبير، حتى بعد أن تم “تشذيبه” بالسحب عبر القضاء أحياناً، والانسحابات الطوعية أحياناً أخرى، يبقى كبيراً، وله من الدلالات ما له، خصوصاً بعد انتهاء الجولة الأولى التي جرت وقائعها يوم السبت الماضي.
المعتاد في نتائج الاختبارات المدرسية، أن يكون الجسم الأكبر من الطلبة من الناجحين على مختلف درجاتهم التي يحصلون عليها، انتهاء من الامتياز، وابتداء بالمقبول، أو الناجح “على الحافة”، ولكن جميعهم قد تعدّوا الاختبارات، وتبقى النسبة الأقل مقسّمة على نوعين من الطلبة، الراسبين، والذين سيدخلون الدور الثاني (الإعادة)، الأمر في انتخاباتنا غير واقعي، أن لا تحسم النتائج في الانتخابات النيابية إلا بنسبة 15 % (ستة مترشحين) بينما يجري 85 % من الدوائر عملية إعادة. بينما الوضع في الجانب البلدي أهون إلى حد ما، وإن لم يكن بشكل كلي، حيث ستجرى عملية الإعادة لإحدى وعشرين دائرة، أي أن نسبة 52.5 % من الدوائر سيعاد فيها الاقتراع، وهذا أيضاً ليس بالرقم القليل الذي تجرى فيه الإعادة. أما لماذا، فهنا يقف بنا المقام.
لاشك أن العدد الكبير من المترشحين في الغالبية العظمى من الدوائر واحد من أسباب تشتت الأصوات، ففي واحدة من الدوائر (دائرتي: أولى المحرق) تنافس عشرة أشخاص على المقعد النيابي، قبل أن ينسحب عادل المعاودة، و14 متنافساً على المقعد البلدي، وهو أمر محيّر حقاً يحمل تفسيرين متناقضين تماماً، أحدهما ينحو إلى زيادة الوعي الكبير للمواطن، والرغبة في خدمة بلاده، وردّ الجميل لها، والقيام بأمور الناس، أو أمور التشريع والمراقبة. والرأي الثاني يقول، وربما أميل إليه شخصياً كما أرى ميل كثير غيري إليه، وهو القائل إن العملية دخلت في باب الاستسهال، وتجربة الحظ، فربما مرة تخيب ومرّة تصيب، وربما يدور سهم “الحظ” ليستقر على المتقدم، فيغدو ممثلاً بلدياً لدائرته، أو نائباً نيابياً عنها، ولم لا؟!
ولكن ليس الاستسهال الذي أنتجته بعض الدوائر خصوصاً في الانتخابات التكميلية في 2011، هو فقط ما أغرى عدداً من الذين وسمهم الناس بعدم الوصول منذ الوهلة الأولى. وليست “المكاسب” التي يرومها البعض جراء الخروج من وظائف بسيطة إلى وظائف أعلى، ورواتب أعلى وامتيازات أعلى. وليست أيضاً الإشاعات التي تروج بأن بعض المترشحين الكبار والراسخين في المجلس سيعمدون إلى دفع “خلو رجل” لبعض المغامرين من الذين يملأون الساحات ويشتتون الأصوات وإن كانت قليلة، ولكنها بتجمعها يمكن أن تكون حاسمة، ففي رأيي إن الموضوع أبعد من هذا، بل وأقرب أيضاً في الوقت نفسه.
فبعض الأسباب الأخرى (غير التي قيلت) المؤدية إلى أن يلقي أحدهم نفسه في خضم المنافسات الانتخابية لنيل أحد المقعدين، يعود إلى المجتمع البحريني وتكوينه النفسي. فالمجتمع لا ينحو في غالبه إلى المواجهة، ولا يودّ جرح مشاعر الغير، وبالتالي، فغالباً ما أحدنا يجامل الآخرين، وينأى بنفسه عن اصطناع موقف ربما يتسبب في العداوة والبغضاء بينه وبين زميل له أو صديق أو جار أو حتى قريب أو أخ، إذا ما أعرب ذاك الشخص عن نيته في الترشح للانتخابات، فلا يجري نصحه بأن هذا ليس مجاله، وأنه ليس لديه من الأدوات ما يكفي لشغل هذا المنصب أو ذاك، أو القيام بهذه المهمة، إذ ربما يظن الراغب في الترشح أن الناصح له ينفس عليه، أو يحسده، أو لا يود له الخير، وهذا ما يجعل البحرينيين يتمنون الخير والنجاح لمن يعلن نيته في الترشح، بل ويشدّون على يده، كما يشدّون من أزره، ويعِدونه سراً وعلناً أن أصواتهم ستكون له بالتأكيد، وأنه سيلقى منهم كل الدعم والتأييد، وأكثر من ذلك يعدونه بضمان أصوات “الأهل”، وأهل الأهل، وأنهم سيحشدون له، ويروّجون لحملته، ويضرب بعضهم صدره بأن يؤدي أدواراً مختلفة لحملته، ولكن الأمور – ويا للأسف - تنتهي كما انتهت إليه حال فتاة نزار قباني، فلا شيء مع هذا المترشح إلا “كلمات” جميلة ومنمّقة من الخارج وتكسوها طبقة من السكّر، ولكنها في الحقيقة جوفاء من أي التزام فعلي. وإلا كيف يمكن تفسير ألا يحصل بعض المتنافسين إلا على أصوات تخجل أن تقارع العشرين صوتاً؟ كيف يحدث هذا؟ كيف لا يمكن للمترشح أن يعلم بأن حظه من الأصوات لن يرقى به للمنافسة التي تقرّبه من الفوز؟ هل لأنه لا يقرأ الساحة؟ أم أن الساحة لا تُقرأ من الأساس لأنها عصيّة على القراءة لا لجهة تعقّدها، بل لجهة انغلاقها وعدم صراحتها، وخصوصاً بالنسبة للمستقلين الذين لا يعرفون من أصحابهم الحقيقيون؟! فقد يعطي الواحد منا مباركته لأكثر من شخص، بل وربما لكل شخص يصادفه ويفصح له عن نيته بالترشح، متمنياً له التوفيق والسداد، ومؤكداً بأن هذا الذي أمامه أحق من غيره، لا يناقشه في معرفته، ولا في خبرته، ولا في منهجه، ولا يحذرّه من العواقب بوجود أناس آخرين ربما يكونون أقوى حظاً وأكثر تمكناً في الدائرة نفسها، ولا يطلب منه شرح لبرنامجه الانتخابي، ولا يلفته إلى الحدود التي يمكنه من خلالها الحركة إن هو وصل إلى كرسي هو يريده، ولا يصارحه بأنه لن يعطيه صوته لأسباب يعددها، وبالتالي، فهذا الشخص، وهو أي واحد منا، يضلل المترشح سواء يدري أو لا يدري، ويردد البعض منا: فليجرّب حظه.. لكن المسألة ليست حظوظاً، وإنما هي جملة من الأمور النفسية والوقتية والمالية ستذهب هباءً منثوراً إن لم يتلق النصيحة الصحيحة في الوقت الملائم، قبل أن يُقدم على تثبيت اسمه من ضمن المترشحين.
لا يمكن أن يتغير الشعب البحريني في سنوات أربع مقبلة ويغدو أكثر صراحة، ولكن يمكن أن يتغير أسلوب المترشحين في قياس أقرب ما يكون إلى العلمية لقدراتهم الحقيقية في دخول هذا السباق، ما سيوّفر على الكثيرين عناءً ليسوا مضطرين للمرور به.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية