العدد 2232
الإثنين 24 نوفمبر 2014
banner
الانتخابات... هل من خاسر؟ غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 24 نوفمبر 2014

ومهما تكن نتائج الانتخابات التي أغلقت مراكز اقتراعاتها في العاشرة من مساء الأحد الماضي، ومهما قيل عن الدفع والتدافع بين طرفي المعادلة السياسية، ومهما تبجح من تبجح، وهلّل من هلّل، ومهما يكن من أمر: فهل من خاسر في هذا السباق؟
هناك من حشّد للمشاركة، مستخدماً كل الحجج والمبررات، وكل الإمكانات والسبل من أجل رفع نسبة التصويت، وهناك من قام بالدور نفسه ولكن في الطرف الآخر من أجل التثبيط والدفع للمقاطعة، كل طرف دفع على رقعة الشطرنج البحرينية بخيله ورجله، وحرك القلاع، وناور بالفيلة، ودافع بالقلعة، وحرّك ما حرّك على مربعات الأبيض والأسود، كسب مساحات، وخسر أخرى، عرض وجهة نظره واستقبل وجهات النظر المخالفة له، قلّت هذه المرة “ولا أتمنى أن أكون مخطئاً” البذاءات، وإن لم تخلُ منها زوايا الجري من قبل متحمسين لم يكن همّهم ديمقراطيا في المقام الأول، وهي العملية التي ينشدها الجميع، ويخطب ودّها الجميع، ولكن همّهم الأول والأخير أن يثبتوا صواب موقفهم، وحسن تقديرهم، ونجاعة ما روّجوا له طيلة الفترة الماضية عندما حُسمت المواقف، وبات من الواضح من ذا الذي سيشارك ومن ذا الذي سيقاطع، سواء بتصفير صناديق الاقتراع وجعل الريح تصفر فيها، أم بجعل أوراق الاقتراع تفيض من ثنايا هذه الصناديق.
هناك من لطّخ العملية الانتخابية بما لا يليق من وصوف للمخالفين لرأيه، وهناك من شوّه الديمقراطية لتحويرها إلى “الإملائية” بحيث بات يملي على الناس ما يجب عليهم فعله، وفي النهاية يقول إنه لم يُجبر أحداً، ولم يضغط على أحد، ولم يسفّه كلام الآخرين، ولم يشرعن لخرق الديمقراطية بالأساليب غير الديمقراطية. فمع بُعد التشبيه، هناك قاعدة فقهية تقول: “لا يطاع الله من حيث يُعصى”، إذ إنه لا يمكن أن يرتكب أحدنا معصية ويقول إنها قربى وطاعة لله تعالى، وكذلك يمكن القول عن ما قام به البعض في هذه الفترة، خصوصاً في الأيام القليلة الحرجة التي سبقت الاقتراع، حيث أرادوا أن ينقذوا وينفّذوا شرائط الديمقراطية، ولكن بالأساليب والحجج غير الديمقراطية، بما في الترهيب والتخويف والتلويح والتهديد والتسقيط والاستهزاء والتنديد بمن اتخذ رأياً لا يتفق مع رأيه، فهذا الفهم المعوج بل والأهوج للديمقراطية ينفي عنها صفة الحرية، وهي أهم مقوماتها، فمتى ما انتفت هذه الصفة بالإكراه أو شبه الإكراه، فما القيمة التي يمكن أن تحملها إذا؟ وكيف نتطلع إلى الديمقراطية في الوقت الذي لا نقوى على الاختلاف، ونستعد لأن نضحّي بها ونفعل في سبيل تثبيت أركان الديمقراطية، كل ما يمكن أن يعمل ضدها شكلاً ومضموناً؟!
حتى وإن أخرج “الحماس” بشتى أنواعه عدداً من الناس عن جادّة الصواب، إلا أن هناك عدداً لا بأس به ممن التزم احترام الخيارات التي ذهب إليها المواطنون، حاور بالحسنى، وجادل بالتي هي أحسن، وترك الأمر في عهدة أصحاب الرأي الآخر يقلبونه كيف يشاءون، ويحسبونه كيف يرون، فإن غيّروا قناعاتهم، وهذا أمر قليل الحدوث في مجتمع مهيَّج سياسياً وفكرياً؛ فهذا ما يراد الوصول إليه، وهذا هو النهج الأسلم في التعاطي مع الاختلاف الفكري. وإن بقي الناس على ما اقتنعوا به عن ثقة ويقين وبعد تقليب الأمور على كل وجوهها؛ فحينها لا يجب أن تبقى في النفوس ضغائن، ففي دول كثيرة تتدنى نسب التصويت، إما كسلاً وإما يأساً وإما احتجاجاً وإما غضباً وإما عدم مبالاة؛ ولا يمكن أن يقال عن هذه البلدان إنها غير ديمقراطية، وفي بعض البلدان ترتفع فيها نسب المشاركة في التصويت إلى أعلى عليين، وتدخل في خانة المشاركة الكاملة، بل والاتفاق العام بين المواطنين وكأنهم ينطقون من فم واحد، وفهم مشترك، خصوصاً في انتخابات الرئاسة، ومع ذلك لا يمكن أن يقال إنها دول ديمقراطية، لأن شعوبها أجبرت على الإدلاء بأصواتها قسراً، وهي تجارب ليست قليلة وليست خافية على أحد.
يوم السبت الماضي، مررنا، “نحن البحرين”، من واحدة من “الأعناق” التي كانت كفيلة بأن نتورم منها، لم يكن مرورنا بها ومنها سهلاً يسيراً، ولم يكن من دون آلام مخاض من هذا المرور الذي ربما يشكل ولادة جديدة، لأن اختبار ضبط النفس بين الأطراف المتنافسة سياسياً، كان هو الدرس الأهم في هذه الانتخابات، حيث كانت الانتخابات الأولى (2002) قد شهدت هذا الانقسام في ظروف غير هذه الظروف، ونفسيات لم تصل إلى حواف الاحتراب كما حدث في السنوات الثلاث الأخيرة، فلم تكن طاقة المقاطعة والمشاركة و”المشاطعة” قد وصلت إلى مرحلة “نكون أو لا نكون”، فقد كانت المساحات لا تزال قادرة على احتمالنا جميعاً، مع دعاء بأن يصلح الله من لا يرون ما نرى، وأن يهديهم سبل الرشاد. أما في السنوات القليلة الماضية، فقد ضاقت الأرض الضيقة، وضاقت أكثر منها كثير من النفوس، لذا كان فوزاً حقيقياً أن تخرج البحرين من هذا كله في أول استحقاق بعد أصعب الظروف التاريخية التي مرت بها، وهي متماسكة إلى الحد الذي نرجو أن تجد لها المنفذ المؤدي إلى نهاية هذا الشدّ المتعب.
الخاسرون من كل هذا الذي حدث هم الذين راهنوا على أن تفقد البوصلة البحرينية مغناطيسها، وأن تضيع من تحت أرجلها الطرقات، وأن تتعدى الخصومات حدودها، وهذا ما لم يحدث، غير أن هذا وحده غير كاف للاطمئنان، ما لم نبتعد عن حافة الممكن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية